اخبار الوطنالراية الفلسطينيةمن ذاكرة النكبة

21 عامًا على اختطاف القائد أحمد سعدات

21 عاما على  جريمة اختطاف الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، القائد أحمد سعدات وأربعة من رفاقه الأربعة ورفاقه الأربعة منفذي عملية اغتيال الوزير الصهيوني رحبعام زئيفي، ومعهم اللواء فؤاد الشوبكي، من سجن أريحا.

صادفت  يوم أمس الأحد، ذكرى الجريمة البشعة التي ارتكبتها سلطة رام الله يوم 15 يناير/ كانون ثاني 2002 باختطاف القائد الوطني الفلسطيني الرفيق أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على يد جهاز المخابرات العامة التابعة للسلطة.

واختطفت المخابرات القائد سعدات ورفاقه واعتقالهم في مقر المقاطعة، رضوخاً واستسلاماً أمام الشروط الصهيونية والأمريكية، وفي سياق تعزيز التنسيق الأمني بين سلطة رام الله وقوات الاحتلال الصهيوني.

الاعتقالات

اعتقل سعدات مرات عديدة من قبل قوات الاحتلال، بسبب نشاطه المقاوم. كان أول هذه الاعتقالات في العام 1969، حين اعتقل لمدة 3 أشهر. وفي العام 1970، اعتقل لمدة 28 شهراً، وأعيد اعتقاله في العام 1973، ليمضي 10 أشهر في السجن. وفي العام 1975، اعتقل لمدة 45 يوماً. اعتقل في العام 1976 لمدة 4 سنوات. وفي العام 1985، اعتقل لمدة سنتين ونصف السنة. وبعد الانتفاضة الأولى، اعتقل إدارياً لمدة 9 أشهر في العام 1989.

بدأت مطاردة سعدات من قبل الاحتلال في العام 1989 بعد خروجه من السجن ولغاية العام 1992، عندما اعتقل إدارياً لمدة 13 شهراً، مع العلم أنه كان ممنوعاً من الزيارات من قبل إدارة السجون ما بين 1989 و1992. وبعد خروجه من السجن، أعادت سلطات الاحتلال مطاردته، فترك مدينة رام الله، وانتقل إلى العيش في مدينة أريحا التي كانت من أوائل المدن الفلسطينية التي سلّمت للسلطة آنذاك.

بعد استلام السّلطة مدينةَ رام الله، عاد سعدات إليها في ظل مطاردته من قبل قوات الاحتلال لحين اختطافه من قبل “إسرائيل” في 14 آذار/مارس 2006

عملية الاختطاف هذه، تحت هندسةٍ وإشراف من أجهزة التنسيق الأمني التابعة لسلطة رام الله.

 بعد تأسيس السلطة وتسلّمها مهامها في العام 1994 بناء على اتفاق “أوسلو” المشؤوم، قامت باعتقال سعدات 3 مرات بين العامين 1995 و1996. وعلى أثر اغتيال الجبهة لزئيفي في العام 2001، قامت السلطة بمطاردته لمدة 3 أشهر قبل أن تتمكَّن من اعتقاله.

وخلال فترة مطاردته، طلبت منه السّلطة عقد لقاء من أجل حلّ بعض القضايا العالقة عبر مدير المخابرات توفيق الطيراوي، فوافق سعدات على اللقاء. وبعد وصوله إلى مكان عقد اللقاء في منتصف كانون ثاني/يناير 2001، حاصرت قوات السلطة بمختلف أجهزتها الأمنية الفندق، واقتادته إلى مقر المقاطعة، وتم احتجازه هناك.

ونفذت خليّة تابعة لكتائب الشهيد أبو علي باغتيال زئيفي بمسدس كاتم للصوت في أحد فنادق القدس المحتلة، ثأراً لدماء أبو علي بعد حوالى شهرين على اغتياله. وبهذه العملية، رفعت الجبهة الشعبية من سقف استهدافها، وكسرت معادلة حصانة قادة الكيان.

بعد ساعات من انسحاب المراقبين الأمريكيين والبريطانيين

ففي 14 مارس/آذار 2006 انسحب المراقبين الأمريكيين والبريطانيين من سجن أريحا، وبعد خمس دقائق دخلت قوة عسكرية صهيونية إلى مدينة أريحا حاصرت السجن وبدأت بهدم أجزاء منه، وبعد حصار دام 12 ساعة تم إلقاء القبض على سعدات ورفاقه على مرأى ومسمع من العالم.

عملية الاختطاف تواصلت على مـدى 12 ساعة، وتخللها اجتياح لمدينة أريحا وصولاً إلى مبنى المقاطعة ومحاصرته، وتدمير أجزاء كبيره من منشآته وصولاً، إلى اختطاف الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات وأربعة من رفاقه هم عاهد ابو غلمة،، أمجد الريماوي، باسل الريماوي، حمدي قرعان، واللواء فؤاد الشوبكي عضو المجلس الثوري لحركـة “فـتح”، وأعتقال أكثر من (200) فلسطيني.

وقفة احتجاجية أمام مقر وزارة جيش الاحتلال

وتنبغي الإشارة إلى أن حركة “أبناء البلد”، الوحيدة في الداخل المحتل عام 48، التي احتجت على علمية الاختطاف، وسيرت حافلتين، في يوم اختطاف القائد سعدات، وجندت نحو مئة فلسطينيا من الداخل المحتل، وأقامت وقفة احتجاجية أمام مقر وزارة جيش الاحتلال في “بتل أبيب”، حيث رفع للمرة الأولى، العلم الفلسطيني في “تل أبيب” دون ان تحرك قوات الاحتلال ساكنا.

السجن 30 عامًا

وفي العام عام 2008، فرضت ما تُسمى المحكمة الصهيونية على سعدات حكمًا بالسجن 30 عامًا؛ تحت تهمة “قيادة تنظيم محظور”، وتنظيم أنشطة سياسية للجبهة”.

وفي حينه وصفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الحكم الصهيوني بأنه محاكمة سياسية للمقاومة ضد الاحتلال، مشيرة إلى أن القائد سعدات أصلًا لم يعترف بالمحكمة الصهيونية.

في سيرة سعدات

يُشار إلى أن أحمد سعدات هو الأمين العام الحالي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ولد عام 1953 في بلدة دير طريف في الرملة، نزح مع أسرته إلى مدينة البيرة ودرس في معهد المعلمين في مدينة رام الله وحصل على شهادة دبلوم في علم (الرياضيات) تعرض للسجن عدة مرات، واشتهر إعلامياً بمعاداة الفكر الصهيوني.

وقد التحق أحمد سعدات بصفوف العمل الوطني في إطار العمل الطلابي منذ نعومة أظفاره، بعد هزيمة حزيران عام 1967.

وفي عام 1969 انضم لصفوف الجبهة الشعبية، وتقلد مسؤوليات متعددة ومتنوعة داخل السجون وخارجها، وانتخب عضواً في اللجنة المركزية العامة للجبهة في المؤتمر الرابع في العام 1981.

وأعيد انتخابه لعضوية اللجنة المركزية العامة والمكتب السياسي في المؤتمر الوطني الخامس في العام 1993، أثناء وجوده في المعتقل الإدارى.

وكان سعدات في لجنة فرع الجبهة الشعبية في الوطن المحتل ، وأصبح مسؤولاً لفرع الضفة الغربية منذ العام 1994، بينما أعيد انتخابه لعضوية اللجنة المركزية العامة، والمكتب السياسي في المؤتمر الوطني السادس العام 2000.

وقد انتخب سعدات أمينًا عامًا للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بداية تشرين الأول العام 2001 ، بعد اغتيال القائد أبو علي مصطفى.

وقبل أن يحكم عليه، رفض سعدات الحكم، مؤكداً عدم الاعتراف بشرعية المحكمة ولا بقراراتها، خلال مداخلة تاريخية.

نص الكلمة كاملةً:

في البداية أنا لا أقف لأدافع عن نفسي أمام محكمتكم فقد سبق وأكدت أنني لا أعترف بشرعية هذه المحكمة باعتبارها امتدادًا للاحتلال غير الشرعي وفق القانون الدولي إضافة لمشروعية حق شعبنا في مقاومة الاحتلال وهذا الموقف أعيد التأكيد عليه، كما أن هذه المحكمة التي تستند إلى قوانين الطوارئ البريطانية لعام 1945 هذه القوانين التي وضعها أحد قادة حزب العمل بعد إقرارها، إنها أسوأ من القوانين النازية، وأضيف “صحيح أن النازية ارتكبت جرائم لم تصل إلى درجة تشريع الجريمة”.

إذن أنا أقف لأدافع عن شعبي وحقه المشروع في الاستقلال الوطني وحق تقرير المصير والعودة، هذا الحق كفلته الشرعية الدولية والقوانين الإنسانية، ومثبتٌ بقرارات صادرة عن مؤسسات الأمم المتحدة وآخرها توصيات محكمة لاهاي بشأن الجدار.

أنا أدافع عن حق شعبنا وعن السلام والاستقرار ليس في هذه المنطقة وحسب، بل وأيضًا في العالم أجمع، هذا الأمن والاستقرار لا يمكن أن يتحقق لا في فلسطين ولا في المنطقة ولا في العالم ما دامت هناك سياسة تقوم على الاحتلال ومنطق فرض الأمور على الشعوب بالقوة، سواء من خلال الغزو العسكري أو الاحتلال كما في فلسطين.

هذه المحكمة التي أقف أمامها مجددًا اليوم كأحد أدوات قمع شعبنا وقهره وكسر مقاومته مثالٌ لعجز الاحتلال وسياساته عن فرض الأمر الواقع على الشعوب، فعمر هذه المحكمة من عمر الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وإذا ما راجعت الملفات التي تقف أمامها ستجد أن العديد من الملفات يمثل أصحابها للمرة الثانية أو الثالثة، بمعنى أن هذه الآلة عجزت عن أن تشكل آلة ردع لمناضل أو لشعب مصمم على النضال من أجل حقوقه.

هذا مثلٌ، ويقابله العديد من الأمثلة عن فشل الاحتلال وأدواته في قمع شعبنا وإلغاء مقاومته، وستبقى هذه المحاكم ما دام الاحتلال قائم وستبقى في وجهه مقاومة شعبنا.

إن السياسة القائمة على الاحتلال ومنطق فرض الأمر بالقوة لن تحقق الأمن “لإسرائيل” أو لغيرها من دول الاحتلال، إن المدخل الرئيسي لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة هو إنهاء الاحتلال وتطبيق قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية لتوفير المناخ الذي في إطاره يمكن إيجاد حل ديمقراطي وسلمي وإنساني للمشكلة الفلسطينية ولأزمة الصراع العربي الصهيوني من الجذور بهذه الطريقة فقط يمكن أن تتوقف دوامة العنف ونزف الدماء في جانبي الصراع.

وأخيرًا لقد سبق وأن أكدت في رسالة سابقة موقفي من ما سمي بلائحة الاتهام التي صيغت لمحاكمتي، والآن أعيد التأكيد على نفس الموقف بعد أن توصّلت محكمتكم من جانب واحد وبطريقة هزلية صورية إلى استصدار قراراها بالإدانة التي كانت معروفة مسبقًا، ومحددة سلفًا من قبل المرجعيات السياسية والأمنية التي تقف وتبرر هذه المحكمة.

جوهر موقفي أنني أعتز بانتمائي للشعب الفلسطيني وحركته السياسية والوطنية ومقاومته ونضاله العادل من أجل تحقيق حقوقه الوطنية، وأعتز أيضًا بالثقة التي تم منحي إيّاها من قبل اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بانتخابي أمينًا عامًا لها، وما آسف عليه هو أنني لم أتمكن من تأدية مهامي.

أولًا: بسبب احتجاز السلطة الفلسطينية طاقتي وحريتي بالعمل لأكثر من أربع سنوات.

ثانيًا: لاعتقالي الذي تواطأ فيه أكثر من طرفٍ: بريطانيا وأمريكيا والسلطة الفلسطينية، ومع ذلك ورغم أيِّ حكم يمكن أن تصدرونه وتستطيعون تنفيذه لامتلاككم القوة، لكنكم لن تستطيعوا وقف نضالي إلى جانب أبناء شعبي مهما ضيّقتم عليّ مساحات الحركة.

واليكم النص الكامل للمرافعة التاريخية لسعدات أمام المحكمة الصهيونية بتاريخ 25/12/2008، التي لم يعترف بها أصلًا، قُبيل إصدارها حُكمها الجائر.

النص الكامل للمرافعة التاريخية

لا يمكن فصل هذه المحاكمة عن عملية الصراع التاريخي في فلسطين، والمستمرّ حتى يومنا هذا، بين الحركة الصهيونية والشعب الفلسطيني، صراعٌ يدور حول أرضها، تاريخها، حضارتها ثقافتها، وهويتها.

وعليه فإن أيّة محاولة للقفز عن هذه الحقيقة في تناول تداعيات الصراع يُشكّل تعسفًا مقصودًا على الواقع وسيجانب الصواب، تعسفًا يستمد دوافعه من غطرسة الطرف القوي.

وسعيه لإخضاع نقيضه (الضعيف) بمعايير وموازين القوى التي تحكم هذا الصراع على الأرض.

وإذا كانت وظيفة أي جهاز قضائي تحقيق وإقرار العدل كركنٍ أساسي لغاياته، فان أية ممارسة قضائية نزيهة وشرعية وأخلاقية ينبغي أن تحتكم إلى قضاء مستقل وقوانين تنسجم مع القانون الدولي كمرجعٍ لتحقيق العدالة النسبية في الصراعات الدولية؛ والقانون الدولي وهيئته التشريعية “الأمم المتحدة” ومجمل القرارات الصادرة منها لم تشرع احتلالكم، ودعت إلى إنهائه وتصفية آثاره، وحتى حين اعترفت “بإسرائيل” كدولةٍ اشترطت حيثيات القرار إعادة اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا بالقوة، وحتى الآن لم يستوفى هذا الشرط، كما أجازت المواثيق الصادرة عنها لشعبنا حق مقاومة الاحتلال كوسيلة لتحقيق استقلاله الوطني وممارسة حقه في تقرير المصير.

أما جهازكم القضائي المتفرعة منه هذه المحكمة وغيرها فهو أحد أدوات الاحتلال العسكري، وظيفته إضفاء الشرعية القانونية على جرائم الاحتلال وممارساته المتناقضة مع منطق ونصوص القانون الدولي، وتشريع الاحتلال وتكريس مفاهيمه وفرضها بالقوة على شعبنا كجزء من فرض الرؤية “الإسرائيلية” لسبل إدارة الصراع وطبيعته، والسير بمنطق القانون الدولي على رأسه بدلًا من قدميه، لتسويق الاحتلال الشكل الأسوأ لإرهاب الدولة المنظم كحالة دفاع عن النفس.

وفي المقابل تصوير المقاومة المشروعة لشعبنا إرهاباً ينبغي محاربته وتصفيته أو محاكمة من يمارسه أو يؤيده أو يحلم به.

وأمام هذا التناقض بين منطقتين لا بد من حكم! ولا أجد نفسي مضطرًا لتقليب صفحات القانون الدولي أو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ما دام هناك شاهد من بينكم، واحد قادة حزب العمل المؤسسين لدولتكم، فقد وصف هذا القائد قوانين الطوارئ الدولية التي أقرها الاحتلال البريطاني عام 1945 بعد سنة من صدورها أنها “أسوأ من القوانين النازية”، وأضاف “صحيحٌ أن النازيين ارتكبوا جرائم، لكنهم لم يبلغوا حدّ التشريع لهذه الجرائم”.

أوَليس هذا حكَمًا؟ ما دامت محكمتكم ولوائح اتهامكم تستند على هذه القوانين وتضع الاحتلال وأدواته في موقع الاتهام والإدانة.

تأسيسًا على ما سبق، فإنّ مقاضاتكم لمناضلي شعبنا هو جريمة بحد ذاتها، وهي امتدادٌ للجرائم التي مارسها ضد أبناء شعبنا؛ بدءًا من مصادرة أراضيه واحتجاز حريته واغتيال أطفاله ونسائه وشيوخه واغتيال قيادته السياسية ومحاكمة مناضليه وقيادييه كما حدث- على سبيل المثال لا الحصر- باغتيال القادة: أبو على مصطفى، الشيخ أحمد ياسين، ياسر عرفات، مرورًا باعتقال الوزراء والنوّاب المنتخَبين في انتخابات ديمقراطية شرّعها المجتمع الدولي وأشاد بنزاهتها وحريتها وشفافيتها، ووافقت عليها حكومتكم في حينه. هذه الجرائم ما زالت مستمرة ونستدعي من راعي القانون الدولي وقفَها وتأمين الحماية الدولية لشعبنا، وتقديم الاحتلال وقيادته “كمجرمي حربٍ أمام محكمة دولية نزيهة”.

والأهمّ من كل ذلك، بل الأسوأ، سلوكُ حكوماتكم المتعاقبة، التي لا تزال مصممة على ممارسة المنطق الفاشل لإحلال المعالجة الأمنية للصراع بديلاً على المعالجة السياسية المستندة إلى قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية كمدخلٍ واقعيّ لتسوية هذا الصراع المزمن منذ أكثر من قرنٍ، بطريقة ديمقراطية حضارية وإنسانية.

إن استناد القيادة “الإسرائيلية” عبر تشكيلاتها الحكومية المتعاقبة على موازين القوى الدولية التي نشأت في ظلها “إسرائيل”، واستمرار الاختلال القادح فيها لصالح الميزان العسكري “الإسرائيلي”، أدّى لاحتكام “إسرائيل” للغة الغطرسة والاستعلاء كوسيلة لإخماد الصراع الذي يستمد ديناميّته من حقائق تاريخية موضوعية، لا يمكن إغماض العين عنها. ومع ذلك عملت هذه القيادة لإفشال أي محاولةٍ أو تحركٍ لتسوية هذا الصراع سلمياً وبالطرق السياسية.

وهي جاهزة لرفض أيّة مبادرة لبناء مشروع سياسي متوازن ينطلق من القرارات الدولية؛ إذ رُفِضت المبادرة الفرنسية- الإسبانية الإيطالية لعقد مؤتمر دولي قبل أن تُحدد وظيفته أو صلاحياته ومرجعياته.

هذه السياسة قد تستجيب لمصلحة هذه القيادة أو الإدارة الأمريكية، لكنها قطعاً لا تخدم الشعارات التي تسوقها يومياً للسكان اليهود في فلسطين أو لشعوب العالم تحت عناوين الأمن ومكافحة الإرهاب.

فالأمن لم يتحقق يوماً في منطقةٍ تحتضن صراعًا بين الاحتلال والشعب المحتل باستخدام الآلة العسكرية، مهما بلغت عظمتها وجبروتها. الأمن لا يحققه إلا السلام القائم على قراءة موضوعية لحقائق الصراع؛ وهذا السلام يبدأ بإنهاء الاحتلال والاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب المحتل، واحترام القانون الدولي، وليس التعامل بوضع الاحتلال كقوة فوق القانون والاحتكام إلى منطق الاستعلاء والغطرسة والظهور على طريقة أن “ما يفكر فيه موسوليني هو الحقيقة”؛ الأمر الذي سيُغذّي دورات هذا الصراع وستكون حكومتكم مسؤولة عن أرواح الناس التي ستزهق فيه، وعن فقدان الأمن والاستقرار الشخصي والاجتماعي والاقتصادي على جانبي الصراع.

هذه الحقيقة يجب أن تدفع اليهود في فلسطين وشعوب العالم وقواه الحية المتطلعة إلى العدل والحرية لفهم أسباب ومحرك هذه السياسة.

فدوافع سياسة الاحتلال ليس الجهل السياسي بالتأكيد أو الخوف من المستقبل أو حرصًا على أمن اليهود كما يروجون، فالتاريخ الحديث والمعاصر لم يسجل في صفحاته أن شعبًا ناضل من أجل حريته وأنجزها قد ظُلَم حتى من استعبَده وأسقاه الذل لسنواتٍ طويلة، والأمثلة على هذا كثيرة وفي ظروفٍ مشابهة للصراع الدائر في فلسطين، كجنوب أفريقيا وزيمبابوي.

إن ما يحرك سياسة حكومتكم هو الوظيفة الإمبريالية التي حُدِّدت “لإسرائيل”، هذه الوظيفة تجعل من الشعارات التي رفعتها قيادة “إسرائيل” لجماهير اليهود تضليلية، ومنطقها ليس فقط تبرير الاحتلال وجرائمه، بل أيضًا سياسة التمييز العنصري التي تمارسها ضد جماهير شعبنا في الجزء المحتل من فلسطين عام 1948، هذا التمييز هو سمةٌ ملازمة للقوّة الإمبريالية وثقافتها. ولا تُستثنى من المجتمع اليهودي الطوائفُ الشرقية وصولًا إلى المهاجرين من أفريقيا وإثيوبيا؛ فرأس الهرم السياسي في “إسرائيل” كان على الدوام محتلًا لمصالح حفنة من الرأسماليين الصهاينة المحلية والدولية المتحالفة مع الشركات الاحتكارية الإمبريالية الدولية التي تقود وتوجه السياسة الأمريكية “والإسرائيلية” اليوم. فالسلام والأمن والديمقراطية والرفاهية لليهود في فلسطين، وكل الشعارات المستهلَكة، ما هي إلا واجبةٌ لفرض المشروع الإمبريالي الأمريكي للشرق الأوسط الكبير، أو الجديد كما أسماه شيمعون بيريس، وهذا ما لا ينكره أو يستتر عليه كل أقطاب تحالف العولمة الإمبريالية الدولية وعلى رأسه أمريكا.

وعلى هذا الأساس، ولمجمل ما سبق، ودفاعًا عن عدالة قضيتنا ونضال شعبنا المشروع ضد الاحتلال، أرفض الاعتراف بشرعيّة محكمتكم أو تشريع احتلالكم، أو الوقوف أمام أيٍّ منهما؛ فما تسمونه في لائحة اتهامكم “مخالفات أمنية” هي في حقيقة الأمر واجبات وطنية “إن كانت حدثت فعلًا أم لا”، وتأتي في إطار الواجب العام في سياق مقاومة الاحتلال.

في الوقت نفسه، فإنّني كأمينٍ عام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أؤكّد اعتزازيَ بانتمائي للحركة الثورية الفلسطينية، وامتدادات هذه الحركة على الصعيدين الإقليمي والقومي والدولي، التي تُشكّل مكونات الحركة الثورية العالمية المناهِضة لنظام العولمة الإمبريالية، والإطار القيادي لنضال شعوب العالم وطبقاته المقهورة من أجل الحرية والديمقراطية والاشتراكية والتقدم العالمي، والاقتسام العادل للثروة والتكافؤ بين الشعوب والسلام، ورفض مكانة الاضطهاد والحرية الإمبريالية والنهب والقهر والتمييز العنصري، وبناء ثقافة وحضارة عالمية إنسانية تقدّمية تعيد للإنسان إنسانيته وتفتح طريق تطوره الحر.

أفتخرُ بكوني مناضلًا من أجل إنهاء الاحتلال “الإسرائيلي” وتحقيق الاستقلال الوطني والعودة للاجئي شعبنا، وبناء المقومات الضرورية والمدخل لتحقيق الحل الديمقراطي الشامل للصراع في فلسطين وحول فلسطين؛ الحل الذي يحقق السلام الدائم لكل سكان فلسطين يهودًا وعربّا، الحل الذي يحقق المصالحة التاريخية والمساواة والتكافؤ في الحقوق والواجبات في دولة ديمقراطية واحدة، دولة تستند إلى نظام سياسي ديمقراطي ينبذ كل أشكال التمييز على أساس الدين أو القومية أو العرق أو الطبقة أو الدين أو الجنس.

وأخيرًا قد لا ترغب هذه المحكمة بسماع هذا الموقف، وقد تعتبره خارجًا عن إطار وظيفتها، وهذا في حدود الفهم الضيق صحيحٌ، وإن كان موقفي منسجمًا مع منطق وجوهر الصراع وأسبابه الموضوعية، فالمعالجة الدقيقة هي التي تتناول الأسباب وليس النتائج.

وأمام هذا التعارض الجوهري أُنهي مرافعتي بالقول: “هذه محكمتكم وتملكون القوة لعقدها واستكمال فعولها (وإدانتي)، على أساس لائحة اتهامكم العلنيّة والسرية، والنطق بالحكم الذي حدّدَتْه الجهة السياسية والأمنية التي تقف خلف هذه المحكمة.

لكنّني أيضًا امتلك الإرادة المستمدة من عدالة قضيتنا وعزيمة شعبنا لرفض أيِّ دورٍ في هذه المحكمة المسرحية، والحفاظ على توازن منطقي المنسجم مع تصميمي على مقاومة احتلالكم، إلى جانب أبناء شعبنا مهما ضيّقتم مساحات الحركة المتاحة لي كأسير حرية.

المصادر: مركز حنظلة/ موقع الجبهة الشعبية/ الميادين

20 عاما على جريمة اختطاف الأمين العام أحمد سعدات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى