الاخبار الرئيسيةمقالات

منظمة التحرير، من الصدارة، الى النسيان ومن التحرير الكامل الى التنازل عن 78% من الأرض والتفاوض

 كتبه- طارق أبو بسام

منظمة التحرير، من الصدارة، الى النسيان والتغييب، ومن التحرير الكامل الى التنازل عن 78% من الأرض والتفاوض على الباقي

تمر اليوم، الثامن والعشرون من أيار 1964 الذكرى الـ 57 لتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية كإطار جامع للكل الفلسطيني وممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، وتتزامن هذه الذكرى، هذا العام، مع المعركة والانتفاضة البطولية (معركة سيف القدس)، التي خاضتها جماهير شعبنا الفلسطيني في القدس والـ 48 وغزة والضفة الغربية بوحدة وتكامل لم يسبق له مثيل، واكدت على وحدة الشعب والأرض والهدف والمصير، وجاءت انتفاضة الـ 48 في ام الفحم وحيفا ويافا وعكا والناصرة واللد والرملة لتقول للعالم اجمع ان قضيتنا قضية سياسية بامتياز، قضية أرض تم احتلالها، وحقوق تمت مصادرتها، وترافق ذلك مع انتفاضة جماهيرنا في القدس والشيخ جراح، واستجابة غزة وفصائلها المقاومة لنداء القدس، والبدء بمعركة الصواريخ وانتفاضة الضفة الغربية، في اروع ملاحم الصمود والمواجهة مع العدو المحتل. هذه المواجهة الشاملة والانتفاضة المجيدة التي اعادت الاعتبار لوحدة الشعب والأرض، وأكدت من جديد على خيار المقاومة بديلا عن خيار التسوية الفاشل، واسست لمسار بديل عن مسار اوسلو والمفاوضات.

هذه الملحمة البطولية التي خاضها شعبنا وقواه المسلحة استطاعت ان تحقق العديد من الانجازات اهمها تكريس الوحدة الوطنية خلال اسبوعين في وقت عجزت عن ذلك جلسات الحوار وفي عواصم مختلفة وما صدر عنها من وثائق وبيانات من انهاء حالة الانقسام، كما أنها اعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية على المستويات العربية والدولية وعادت لتحتل الصدارة على جدول اعمال المؤسسات الدولية، كما ألحقت العديد من الخسائر السياسية والأمنية والاقتصادية في الكيان، والأهم من ذلك انها رسمت علامة استفهام كبيرة حول مستقبل هذا الكيان وقدرته على الاستمرار وقد اشار العديد من المسؤولين الصهاينة ورجال الإعلام والصحافة الى ذلك.

ورغم ان معركة سيف القدس وضعتنا على ابواب مرحلة جديدة واكدت أن الانتصار على هذا العدو وهزيمته امكانية واقعية ولم تعد حلما او خيالا، الا انه من المؤسف ان القيادة الرسمية لمنظمة التحرير، والمنظمة كانت الغائب الأول عن هذه المعركة، وكأن المعركة لا تدور في فلسطين وانما في جزر الواق واق.

ومن المخجل والمعيب ان اللجنة التنفيذية لم تكلف نفسها لعقد اجتماع، حتى ولو باب رفع العتب وقول رأي ما، ليس هذا فحسب بل ان السلطة لم يسمع صوتها الا بعد وقف إطلاق النار، حيث بدأت تحركها من اجل الاستثمار السياسي لما حصل وتوجيه ذلك لخدمة المفاوضات والعودة للمسار العبثي الفاشل.

كما سبق وقلت تمر هذه الأيام الذكرى 57 على تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، تمر هذه الذكرى، ليمر في المخيلة شريط الزمن، مع كل ما حملته هذه السنوات الطويلة من تطورات، سلبية وايجابية، تمر هذه الذكرى بهدوء، ولا يتم التوقف عندها كما يجب، وكما تستحق هذه التجربة من تقييم ومراجعة، لدرجة يبدو لنا ان المواطن الفلسطيني والعربي كاد ينسي هذه المنظمة، وبات الحديث والتقييم يدور حول السلطة واوسلو، واغتصاب هذه السلطة لدور منظمة التحرير وتهميشه، حيث حولت القيادة المتنفذة المنظمة الى اداة بيد السلطة، بدلا من ان تكون السلطة اداة في يد المنظمة، ما ادي الي تراجع كبير في دور منظمة التحرير، حيث هيمنت السلطة على كل شيء، واصبحت المنظمة اطارا عاجزا بعد تفريغه من محتواه الكفاحي، واصبحت عبارة عن هيكل فارغ يتم استدعاءه حين الطلب لتغطية التنازلات التي تقدمها السلطة للعدو بحكم ما تملكه من شرعية التمثيل للشعب الفلسطيني.

ومما يلفت النظر، ويحز بالنفس، أنه في الوقت الذي يحرص فيه كل فصيل من المنظمة على احياء ذكرى تأسيسه، تمر ذكرى تأسيس المنظمة وكأن شيئاً لم يكن، طبعاً هذا مفهوم في ظل العجز والغياب الكامل للمنظمة، واحتلال السلطة لدورها ومكانها.

لماذا حصل كل ذلك، ومن المسؤول!!!

وهل لازالت المنظمة هي تلك الإطار الوطني الكفاحي الذي عرفناه عند التأسيس!

عرفنا منظمة التحرير بميثاقها الوطني… ونحن الآن امام منظمة جديدة، في برامجها وسياساتها وميثاقها، خاصة بعد ان تم الغاء الميثاق الوطني، وهنا لا اقول تعديله أثناء الكرنفال الذي عقد في غزة تحت ما سُمي زورا بالمجلس الوطني، وكان بعيدا كل البعد عن مجلس وطني حقيقي، حيث تم الاقصاء من عضويته لكل من يقول لا للتعديلات والالغاءات المطلوبة صهيونيا وامريكيا، من ناحية، ومن الناحية الأخرى تم تعيين أكثر من 400 عضو جديد من المصفقين لأوسلو، ولا دور لغالبيتهم الساحقة في العمل الوطني. هذا الرقم الذي يوازي تقريبا عدد اعضاء المجلس في ذاك الوقت حيث كان يضم في عضويته 450 عضوا.

هذا المؤتمر الذي حضره الرئيس الأمريكي كلنتون، وكان بمثابة مهرجان احتفالي تم خلاله الغاء الميثاق، فكيف يمكن ان نتحدث عن تعديل في الوقت الذي تم فيه الغاء 12 بندا أساسياً، مثّل إلغاؤها شطب جوهر الميثاق الوطني الفلسطيني، كما تم تعديل 16 بندا اخرا، حيث تم شطب كافة البنود التي تتحدث عن الكفاح المسلح والحرب الشعبية، وكذلك البنود التي تتحدث عن حق الفلسطينيين باستعادة ارضهم التاريخية من النهر للبحر.

ومن اجل ان تكون الاجيال الجديدة ومن يقرأ التاريخ امام الحقائق كما هي، وحجم المصيبة التي حصلت واقدمت عليها القيادة المتنفذة، دعونا نستعرض اهم البنود التي جري إلغاؤها وتعديلها، حيث لم تعد بعد ذلك منظمة التحرير هي المنظمة التي عرفناها ولم يبقى منها غير الاسم. حصل ذلك وجميع من حضر يصفق، دون ان ينتبه اي منهم، عن قصد او دون قصد، لما قاله كلينتون في كلمته حين قال ان مشاركته لا تعني باي حال من الاحوال ان الولايات المتحدة تنوي الاعتراف بالدولة الفلسطينية. لقد اراد كلنتون ان يحصل على التنازلات من الطرف الفلسطيني دون تقديم اية تعهدات لصالحه، وهذا مأتم فعلا. بعد كل ذلك أليس من حقنا القول ان ما حصل مؤامرة كبري شارك بها الطرف الفلسطيني وجاءت استحقاقا لاتفاقيات اوسلو، التي نفذها بعض الأشخاص، عرفات، أبو مازن، وأبو العلاء، وعبد ربه وغيرهم. مؤامرة نفذت وحيكت خيوطها بعيدا عن المؤسسات والقيادة الفلسطينية، وبعيدا حتى عن الوفد الرسمي المفاوض في مدريد بقيادة المرحوم عبد الشافي وراء ظهرهم. فكيف نفسر ذلك؟؟

وفيما يلي بعض البنود التي تم إلغاؤها وتعديلها من الميثاق الوطني:

المادة الثامنة: المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني هي مرحلة الكفاح الوطني لتحرير فلسطين وعلى هذا الأساس فان الجماهير الفلسطينية سواء من كان منها في ارض الوطن او المهاجر تشكل منظمات وافراد جبهة وطنية واحدة تعمل لاسترداد فلسطين وتحريرها بالكفاح المسلح.

المادة التاسعة: الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين وهو بذلك استراتيجية وليس تكتيك

المادة العاشرة: العمل الفدائي يشكل نواة حرب التحرير الشعبية الفلسطينية وهذا يقتضي تعبئة وحشد كافة الطاقات الجماهيرية واشراكها في الثورة.

المادة التاسعة عشرة: تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947 وقيام دولة الكيان باطل من الاساس مهما طال الزمن لمغايرته لإرادة الشعب الفلسطيني وحقه الطبيعي في وطنه ومناقضته للمبادئ التي نص عليها ميثاق الامم المتحدة وفي مقدمتها حق تقرير المصير.

المادة عشرون: يعتبر وعد بلفور وصك الانتداب وما ترتب عليهما مرفوضا.

المادة واحد وعشرون: الشعب العربي الفلسطيني معبرا عن ذاته بالثورة الفلسطينية المسلحة يرفض كل الحلول البديلة عن تحرير فلسطين تحريرا كاملا ويرفض كل المشاريع الرامية لتصفيتها.

المادة اثنان وعشرون: الحركة الصهيونية حركة سياسية مرتبطة عضويا بالإمبريالية العالمية ومعادية لجميع حركات التحرر والتقدم في العالم، وهي حركة عنصرية تعصبية في تكوينها عدوانية توسعية استيطانية في اهدافها وفاشية نازية في وسائلها وان اسرائيل هي اداتها.

المادة خمسة وعشرون: تحقيقا لأهداف هذا الميثاق تقوم م. ت. ف بدورها الكامل في تحرير فلسطين

هذه اهم البنود التي تم إلغاؤها.

والسؤال بعد كل ذلك هل تبقى المنظمة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني!؟ 

لقد حازت المنظمة على كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بفضل الاسس التي استندت اليها ونتيجة لها، ومن الطبيعي ان تزول هذه الشرعية بزوال مقوماتها والاسس التي استندت عليها. وكيف للمنظمة ان تحافظ على صفة التمثيل هذه بعد اعدام ميثاقها.

وفيما يلي تسجيل لأهم محطات التراجع من قبل المنظمة عن استراتيجيتها بحجة التكتيك، وهنا تجدر الإشارة إلى ان الخطر الاكبر يتجسد عندما تنتهك الاستراتيجية باسم التكتيك ويتم التخلي عن الأهداف التاريخية بحجة الواقعية.

تأسست منظمة التحرير الفلسطينية بناءً على قرار من القمة العربية المنعقدة في القاهرة في يناير 1964  وبدعم من الرئيس عبد الناصر، وقد كُلف احمد الشقيري مندوب فلسطين في الجامعة العربية الاعداد لذلك، وقد تم انجاز هذا بعد ان قام الشقيري بالاتصال بمكونات الشعب الفلسطيني في الاراضي الفلسطينية وفي مواقع الشتات الجغرافي من شخصيات سياسية ونقابية وغيرها، حيث تمت الدعوة لعقد المجلس الوطني الاول في مدينة القدس بتاريخ 1964/5/28، بحضور كافة وزراء الخارجية العرب باستثناء وزير الخارجية السعودي، وهنا تبرز علامة استفهام حول دور السعودية منذ ذلك الوقت.

في هذا المجلس تم اقرار الميثاق الوطني والنظام الأساسي، وأعلن عن ولادة منظمة التحرير وتشكيل جيش التحرير الفلسطيني. وقد تأسست المنظمة وقامت على فكر وطني وقومي يستهدف استنهاض وتعبئة الشعب الفلسطيني واتباع كافة الوسائل للتحرير، وبدأت مسيرة النضال على طريق تحقيق أهدافها.

وقد تسلم الشقيري رئاسة اللجنة التنفيذية منذ ذلك التاريخ وحتى نهاية عام 1967، وكانت هذه المرحلة مرحلة التأسيس والإعداد، وقد تم ابعاده عن رئاسة المنظمة بحجة ابعاد المنظمة عن التدخلات العربية والولاء لها.

وبعد ذلك تم انتخاب يحيى حمودة كمرحلة انتقالية وقبل ان تنضم منظمات الكفاح المسلح مثل فتح والجبهة الشعبية وغيرها الى المنظمة والسيطرة عليها والتحكم بمؤسساتها، حيث تم انتخاب ياسر عرفات رئيسا للجنة التنفيذية في دورة المجلس الوطني الرابعة التي عقدت في عام 1969، حيث سيطرت حركة فتح وانصارها على المنظمة بمساعدة الدول العربية، والتي أرادت أن تكون المنظمة على شاكلتها، وكانت  تشعر ان فتح اقرب الى سياساتها بينما تشكل الجبهة الشعبية خطرا عليها.

ومنذ ذلك الوقت بدأت حركة فتح، مدعومة من الأنظمة العربية، تحكم سيطرتها على كافة مؤسسات المنظمة، مثل اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي والصندوق القومي وجيش التحرير والمكاتب في الخارج التي تحولت فيما بعد الي سفارات، واصبحت منظمة التحرير لا تختلف عن اية دولة عربية حيث باتت تخضع لحكم التنظيم الواحد والفرد الواحد كما حصل في فترة ياسر عرفات سابقا، وكما يحدث في فترة أبو مازن الان، حيث تم تغييب دور المؤسسات لصالح التنظيم ومن ثم تغييب دور التنظيم لمصلحة الفرد واصدق مثال على ذلك تجربة اوسلو وما سبقها ولحق بها من ممارسات ادت بنا الوصول الي الكارثة  التي نعيشها الآن، فمن يتحكم بالقرار هو الرئيس الواحد الاحد الذي لا يجوز ان يخالفه احد وهو يقول خذوا ما تريدون من قرارات وانا انفذ ما اريد.

لقد بدأت المنظمة تشهد تراجعا في مواقفها منذ بداية السبعينات وهذه اهم المحطات البارزة في هذا المسار:

المحطة الأولى:

اعتماد برنامج النقاط العشرة تحت ما سمي في ذلك الوقت البرنامج المرحلي وقد شكل هذا الامر المحطة الأولى في سياسة التراجعات وقد جاء ذلك في اعقاب حرب اكتوبر 1973، والاعتراف العربي والدولي بمنظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني. وبدلا من الاستناد لذلك بالتمسك بالثوابت والبرنامج الوطني بدأت سياسة التراجع والاستعداد لقبول القرارات الدولية مثل قرار التقسيم والقرارين 242 و 338. ومن المعروف ان الطريق الى التنازل يبدأ بخطوة واحدة وهذا ما حصل حيث اصبحت الطريق سالكة فيما بعد ومسلسل التنازلات معروف للجميع.

ومن المعروف ان هذه الفترة شهدت انقساما فلسطينيا تم التعبير عنه من خلال تشكيل جبهة الرفض المناهضة لهذه السياسة.

المحطة الثانية:

تجسدت في مرحلتين

1- القمة العربية التي عقدت في مدينة فاس في المغرب في ايلول من عام ١٩٨٢ وبعد خروج قوات الثورة الفلسطينية من لبنان والتي تضمن بيانها الختامي الاعتراف الضمني بدولة “إسرائيل” وبموافقة المنظمة.

2- القمة العربية التي عقدت في بيروت في عام 2002 وموافقتها على مبادرة الملك السعودي عبدالله هذه المبادرة التي تضمنت اعترافا واضحا بدولة “إسرائيل”، وكادت ان تشطب حق العودة كون المبادرة لم تتطرق له، ولولا تدخل الرئيس اللبناني المقاوم اميل لحود وقراره الشجاع مدعوما من الرئيس بشار الأسد، واصراره بأن يتضمن البيان الختامي حق العودة وعدم تنازله عن ذلك حتى لو فشلت القمة مما اجبر الاخرين تضمين حق العودة في البيان.

المحطة الثالثة:

دورة المجلس الوطني في عام 1988 التي عقدت في اعقاب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الاولي عام 1987 والتي تم فيها اعلان وثيقة الاستقلال وقد تم التراجع في هذا الاعلان عن المواقف الاساسية للمنظمة من خلال:

1_ عندما تم الاعلان ان الدولة العتيدة تؤمن بتسوية المشاكل الدولية والاقليمية بالوسائل السلمية استنادا لقرارات الامم المتحدة ورفض العنف ضد تهديد اراضيها واراضي اية دولة اخري

2_ اعتبار قرار التقسيم 181 الصادر عن الامم المتحدة عام 1947 في التاسع والعشرين من تشرين الثاني لازال يشكل الضمانة في اقرار حقوق الشعب الفلسطيني في السيادة والاستقلال واقامة دولته وما زلنا حتى الان بعيدين كل البعد عن هذا الهدف رغم مرور اكثر من 32 عاما على ذلك

المحطة الرابعة:

انخراط منظمة التحرير في مؤتمر مدريد الذي عقد في أعقاب حرب الخليج الأولى بعد احتلال القوات العراقية لدولة الكويت، مؤتمر مدريد وما سُمي في حينه بمسيرة السلام وفق قرارات الامم المتحدة 242   _338 ومبدأ الأرض مقابل السلام، والذي تحول فيما بعد الي الامن مقابل السلام، وأصبح الان السلام مقابل حكم ذاتي هزيل ابعد ما يكون عن الاهداف التي حددتها منظمة التحرير في ميثاقها. وتدحرجت الامور بعد ذلك ووصلت إلى توقيع اتفاقيات أوسلو الكارثية، هذه الاتفاقيات التي شكلت منعطفا خطيراً في تاريخ الصراع مع دولة الكيان، حيث قدمت المنظمة الاعتراف بدولة العدو ونبذ العنف اي التخلي عن المقاومة دون ان تحصل على اي اعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني بالدولة والعودة وتقرير المصير والاكتفاء باعتراف شكلي بمنظمة التحرير من خلال تبادل الرسائل بين رابين وعرفات.

المحطة الخامسة:

انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في جلسة ابعد ما تكون عن الاعراف والاسس الديمقراطية، وأقرب الى كرنفال احتفالي ب السيد كلنتون، وتشييعا حقيقياً لمنظمة التحرير عبر الغاء ميثاقها، وقد تم تناول ذلك في بداية هذا المقال. ومنذ ذلك الحين اصبحت السلطة أكثر استعدادا لتقديم التنازل تلو الاخر في المفاوضات مقابل المزيد من التصلب في المواقف الصهيونية الأمريكية والتي عبر عنها من خلال ماورد في صفقة القرن، ومن الطبيعي ان نصل الى ذلك بعد ان تخلينا عن كافة اوراق القوة التي نملكها وتتحمل القيادة المتنفذة المسؤولية الكاملة عن ذلك.

ان اتفاق أوسلو وما نتج عنه من تنسيق أمنى، تحولت معه السلطة من القيام بالدور الواجب عليها وهو مقاومة الاحتلال وحماية المقاومين الي دور حماية الاحتلال وملاحقة واعتقال المقاومين في سابقة لم يشهد تاريخ الثورات لها مثيلا.

بعد كل ذلك، السؤال الهام والملح الذي يطرح نفسه الان وبعد مرور 57 عاما على تأسيس المنظمة هل لازالت المنظمة هي التي نعرفها وهل حققت أهدافها!

والجواب الواضح والصريح ان المنظمة ابتعدت عن تحقيق اهدافها وتخلت عن ميثاقها وبالتالي ابتعدت عن حقها في تمثيل الشعب الفلسطيني بنفس مقدار ابتعادها عن ذلك الى الدرجة التي نستطيع القول فيها انها لم تعد تمثل الشعب الفلسطيني، إذ كيف يمكن ان يحصل ذلك والمنظمة يتحكم بكل مفاصلها وسياستها تنظيم واحد ولا يشارك فيها منظمات اساسية مثل حماس والجهاد الاسلامي والقيادة العامة تمثل جمهورا كبيرا و يلتف حولها قطاعات واسعة من ابناء الشعب الفلسطيني، مقابل مشاركة بقايا بعض الفصائل التي انقرضت منذ زمن بعيد ولم يبقى منها سوي الاسم ولازالت تتربع على عرش اللجنة التنفيذية، ولا دور لها سوى التصويت لصالح الرئيس مقابل ما يدفع لها من اموال لا تستحقها من اموال الشعب الفلسطيني.

بعد كل ذلك نحن الان امام خياران في كيفية التعامل مع المنظمة:

الخيار الاول:

العودة إلى تفعيل المنظمة وتجديدها، والتمسك بميثاقها الاصلي، ووقف المراهنة على المفاوضات واعتماد خيار المقاومة، واشراك كافة المنظمات الفلسطينية فيها والابتعاد عن سياسة التفرد واعتماد اسلوب الحوار الديمقراطي والخروج من كل القرارات السياسية التي سببت حالة التراجع وبداية مرحلة جديد. هذا الخيار لا اراهن عليه كثيرا كون القيادة المتنفذة في منظمة التحرير متمسكة بالسلطة والامتيازات ومصالحها الذاتية وباتفاقيات اوسلو الكارثية، وخيار المفاوضات ثم المفاوضات وان البديل عن المفاوضات هو المفاوضات واسقطت نهائيا خيار المقاومة.

وهنا يجب ان نملك الجرأة ونقول ان بداية مرحلة جديدة يتطلب قيادة جديدة حيث ان القيادة الحالية استنفذت صلاحيتها ولم تعد تستجيب لمتطلبات المرحلة الجديدة وهذا الخيار لا اراهن عليه كثيرا.

الخيار الثاني:

ان تلتقي كافة القوى الرافضة لنهج التسوية والاستسلام وتعمل على صياغة برنامج وطني جديد يتمسك بالميثاق والثوابت الوطنية و تدعوا لمؤتمر شعبي فلسطيني حاشد تشارك فيه كافة الفصائل والمنظمات الفلسطينية، كما تشارك فيه كافة النقابات المهنية والمنظمات الاجتماعية، وتشارك فيه الكفاءات والشخصيات المستقلة من الداخل والخارج، على ان يعطى للجيل الشاب والمرأة دورا أساسيا يتناسب مع موقعهم في المجتمع، ويسحب الشرعية الشعبية عن هذه القيادة التي فقدت شرعيتها الثورية بتخليها عن خيار المقاومة، وفقدت شرعية الصندوق بتخليها عن خيار الانتخابات كما حصل اخيرا وفقدت شرعيتها الشعبية عندما انحازت لمصالحها على حساب مصلحة الشعب.

ان هذا الخيار ليس سهلا وهو مؤلم وقاس وغير مستحب لكنه الخيار المر الذي لابد منه ولا نريده لكننا نُدفع اليه دفعا.

واخيرا، اليس من حق الشعب الفلسطيني ان تكون لديه قيادة بحجمه ويستحقها وليست قيادة فاسدة انحرفت عن المسار الصحيح وخرجت عن الخط الوطني وكرست الانقسام في صفوف المنظمة بعد ان افرغتها من محتواها.

هذه مجرد وجهة نظر متواضعة لمواطن فلسطيني حريص على المنظمة وقبل ذلك حريصا على القضية الفلسطينية، فالقضية هي الاساس، والتحرير هو الهدف والمنظمة هي الوسيلة، وهي مقدسة بمقدار ما تستجيب لمصلحة الشعب الفلسطيني.

ورغم قتامة هذا المشهد إلا أنني وبتفاؤل ثوري، اجزم ان قضيتنا ستنتصر، وسيأتي اليوم الذي تتحرر فيه فلسطين كل فلسطين…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى