“فخريطة الوطن الكبير فضيحة”
بقلم : حمدي فراج
لم يكن سؤال الصحفية السورية في المؤتمر الصحفي لختام القمة العربية الأخيرة في جدة ليثير غضب أمين الجامعة كل ذاك الغضب ، فيقطع عليها حديثها و ينفي ما رمت اليه ثم يستعين بأحد ابواق النظام المصري ليتصدى بدوره لها . كان السؤال : كيف ستقنعون الجماهير العربية بالصورة الجديدة / المتجددة للجامعة عن الصورة النمطية القديمة .
يجمع الجميع تقريبا على التحولات الكبرى في العالم من انه يتغير ، و ما في ذلك من شك ، بل ان معظم إشارات التغير تفضي ان هذا التغير لصالح الناس والشعوب و التحرر و كسر ألات الحصار و الهيمنة و الاستحواذ والاستفراد والاستغلال والاضهاد والاستعمار والاستحمار والاستثمار والاتجار والافقار التي سادت خلال العقود الأربعة الأخيرة . لكن السؤال الأكبر والاهم بالنسبة لنا في وطننا العربي ، هل وصلنا هذا التغير ؟ هل نحن حقا نواكبه ونتناغم معه و ننبض بنبضه ؟
الجواب الذي لا يحب أحد منا سماعه ، هو : لا . بما في ذلك مؤتمر القمة الأخير الذي سمح فيه لسوريا ان تعود الى مقعدها ، فعده البعض إنجازا عظيما ، حيث في آخر لحظة اقحمت القمة باستضافة رئيس أوكرانيا وإلقاء كلمة مثله مثل بقية القواد العرب ، لم يستطع أي قائد ان يعترض او يحتج او حتى ان يسأل ، لم نكن نعرف ان فولوديمير زيلينسكي عربي قح بدون دشداشة ، واوكرانيا دولة شقيقة اقتطعت منا ثم عادت الى أحضان امتها ، في حين ان عودة بشار استوجبت عقد قمة مصغرة ثم قدموا اشتراطات ومع ذلك ظل البعض مصر على معارضة عودته .
و بعيدا عن القمة و خفايا القمة و دهاليز القمة ، هل يعقل ان تستغرق ساعتين فقط لمناقشة مشاكل الامة التي تبدو بلا عد ؟ هل معقول ان تستغرق هدنة اليمن عامان دون ان يتمكنوا حتى الآن من حل مسألة تبادل الاسرى ، و لبنان انتخاب رئيسه ، والسودان ينفجر عسكريا بين العسكري الأول ونائبه العسكري الثاني بعد اقل من عشر سنوات على فصمه الى سودانين ، و النيل اقتطعته اثيوبيا دون تجرؤ الاشارة الى إسرائيل التي تقف خلفها ، و الخليج التي دخلته إسرائيل بكل ترساناتها العسكرية والأمنية والاقتصادية عبر اتفاقيات ابراهام ، والأردن الذي اصبح علنا على جدول اعمال إسرائيل الوطن الأول والاخير للفلسطينيين ، و ليبيا التي ينتظر شعبها قطف ثمار “ثورتها” بعد عشر سنوات على اعدام رئيسها بفتوى من إمام الامة الشيخ القرضاوي بأن من يقتله يذهب الى الجنة ، فذهب هذا الى الجنة و ذهب ذاك الى النار و ما زال الشعب الليبي ينتظر خلاصه من براثن الثوار . أما فلسطين فتذهب ابعد وابعد الى حضيض الخلافات والاستئثارات والمساومات ، و تبدو للرائي انها أصبحت قضية انتخابات طلابية ، لا أكثر ولا أقل ، رغم انها في الجوهر لا تؤمن بالانتخابات .
قبل حوالي نصف قرن كان نزار قباني متعبا بعروبته :
أنا يا صديقة متعب بعروبتي * فهل العروبة لعنة وعقاب / أمشي على ورق الخريطة خائفاً * فعلى الخريطة كلنا أغراب ../ لولا العباءات التي التفوا بها * ما كنت أحسب أنهم أعراب .. / يتقاتلون على بقايا تمرة * فخناجر مرفوعة وحراب / وخريطة الوطن الكبير فضيحة * فحواجز ومخافر وكلاب / والعالم العربي .. إما نعجة مذبوحة أو حاكم قصَّاب / والعالم العربي يخزن نفطه في خصيتيه .. وربك الوهاب .