عملية الاعدام في نابلس ، ما بعدها
كتبه- حمدي فراج
عندما وضعت معركة “سيف القدس” اوزارها قبل اقل من سنة ، وقف اسماعيل هنية ليقول ان ما بعدها ليس كما قبلها ، وكان بذلك يقرر حقيقة موضوعية صحيحة وناصعة ، لكن الكثيرين من صناع القرار الفلسطيني ، بما في ذلك هو نفسه ، لم يدركوا استحقاقات تلك الحقيقة ، وسرعان ما قام بزيارات الى أنظمة عربية موغلة في علاقاتها مع “اسرائيل” إبنا عن اب وابا عن جد . وبالامس القريب ، اعلن امين سر حركة فتح في نابلس “محمد حمدان” ان مقتلة الشيان الثلاثة وسط المدينة وضح النهار لن يكون بعدها كما قبلها ، و هو ايضا يقرر حقيقة موضوعية صحيحة وناصعة ، فالقتل كان اقرب الى الاعدام الميداني ، اشترك في تنفيذه المئات من وحدات الجيش والمخابرات الذين اجتاحوا المدينة من جميع جنباتها واعتلى القناصون اسطح المباني وأطلق المنفذون تسعين رصاصة اخترقت أجساد “المطلوبين” الذين خاضت معهم اجهزة أمن السلطة حوارات طويلة وعقيمة لتسليم أسلحتهم ، وبالتالي التوقف عن مقارعة الاحتلال ومناوشته هنا وهناك .
خلية “المطلوبين” هذه ، لا ينسب اليها اي عمليات قتل “دم يهودي على اياديهم” ، لم تكن من حماس لكي يتم تصفيتها على هذه الشاكلة ، ولا من الجهاد او الجبهة الشعبية ، بل من مناضلي حركة فتح التي تعج السجون بأسراها والارض بشهدائها ، لم تكن الخلية من ثلاثة افراد ، و لا من اربعة ، حيث نجى “ابراهيم المصري” ، بل من ثمانية ، شاركوا في تشييع جثامين رفاقهم ، والتقطت كاميرات الاحتلال وأعوانه صور بعضهم لمواصلة ملاحقتهم وقتلهم ، و واهم كل من يتعقد ان اسرائيل ستكف عن ملاحقتهم حتى تفتك بهم ، وربما بعائلاتهم وابنائهم ، حتى حين يبدون استعدادهم لتسليم اسلحتهم ، هكذا حصل مع خلية مطاردة في بيت لحم قبل تسع سنوات ، خلية مشتركة بين فتح والجهاد ، إذ أخبرني وقتها قائدها “أحمد البلبول” استعدادهم لتسليم أسلحتهم عبر التنسيق الامني ، لكن اسرائيل رفضت حتى انقضت عليهم في سيارتهم وأجهزت على أربعتهم ، “محمد شحادة ، عيسى مرزوق ، عماد الكامل بالاضافة للبلبول الذي اعتقل نجلاه “محمد ومحمود” وأضربا عن الطعام قرابة المئة يوم ، في حين ما زال ابناء شحادة قيد الاعتقال .
في ثلاثية الكاتب الكبير ابرهيم نصر الله “دباية تحت شجرة الميلاد” و”سيرة عين” و “ظلال المفاتيح” ثلاث روايات في رواية واحدة تتفرع الى روايات ، زمن واحد يتفرع الى أزمنة ، مكان واحد يتفرع الى أمكنة ، عدو واحد يتفرع الى أعداء ، يقول : كل الناس يتمنون ان يكونوا من فئة الابطال ، ولكن كثيرين منهم يخافون من ان يكونوا ، بعضهم يملكون الجرأة على هزيمة خوفهم ، بعضهم تجبرهم الظروف عكس ذلك ، بعضهم يخافون فيختارون الحياد ، وبعضهم يخافون قليلا ، فيختارون الهرب ، وبعضهم يخافون كثيرا فيختارون الرضوخ ، وبعضهم يخافون اكثر فيختارون الخيانة” . ما لم يقله نصر الله ان يأتي البعض الاخير فيسوق رضوخه وهروبه وامتيازاته على انها بطولة وبطولة الآخرين على انها تآمر و تطرف و تجديف . وهذه إحدى اهم مخرجات المجلس المركزي في جلسته الاخيرة .