الراية الفلسطينيةالمرجعالوطن العربيفن وثقافةمقالاتمنتدى الراية

الكراهية الفاضلة

بقلم احمد حسين

إلى ألأخ الرفيق والمناضل المتميز د. عادل سمارة Adel Samara

من مثلك يعرف أنه لا يوجد كراهية مجانية ، وأن الحركة المعنوية بأشكالها الفكرية والنفسية هي انعكاس لعلاقة المتناقضات داخل السياق الجدلي ؟ لذلك فإن للكراهية جوهرا قيميا في الأخلاق العلمية . فهناك كراهية ” فاضلة ” أساسها الحب – الإلتزام الإجتماعي – الذي يشمل ، خارج التعيين ، حتى أولئك الذين نكره وعيهم . الفارق القيمي إذن بين كراهية وأخرى هو الإلتزام العلمي بحب الحياة والبشر ، ونقد التاريخ . لا أنت ولا أنا نكره الأشخاص . نحن نكره وعيهم وسقوطهم المعنوي الإنفصالي في المصلحة الأنوية ، والعدمية ، وخيانة الوطن ، والمجتمع الإنساني . نكره النموذج ، وليس الشخص . هل تعتقد أنني أستطيع كراهية محمود درويش شخصيا ؟ هل تعتقد أنني أستطيع أن أكرهك أو أن أتوقف عن حبي وإعجابي بك وبما تفعل ، تحت أي ظرف خلافي ؟ قد نستطيع أن نكون حيادين تماما تجاه الشخص ، كما تطالب البراغماتية العمياء . ولكن هذا هو “الإلتزام ” بشكله الهمجي ، الذي يميز تاريخ المادية المثالية ” الليبرالية ” والذي تتعامل به روبوطات الإمبريالية مع العالم . لا يوجد إنسان حيادي داخل إنسانيته ! هكذا تقول الماركسية ، وإلا فكيف سيصبح ملتزما ؟ لذلك فأنا أستطيع أن أكره ضعف الإلتزام والأنوية لدي محمود كشاعر ، ولكني أستطيع أيضا أن أواصل حبي له بدون ندم ، وأتمنى لو لم يترك لأوغاد المرحلة الممتهنين فرصة التأثير عليه .

لا تتهمني بالطوباوية ! فليس أبعد عنها مني كما أعلم . والطوباوي بالنسبة لي حمار وتافه وخطر على غيره . إنه مادة كل تيارات الجريمة الإجتماعية في التاريخ . وتطبيق الإلتزام ليس له أدوات ميدانية غير التصدي والمواجهة مع عينية الأشخاص التاريخيين ، بوصفهم أوكار وعيهم الدنيء . خضت كل حياتي على المستوى الشخصي معارك خاسرة مع هؤلاء ، وخرجت أكثر إصرارا على موقفي منهم . هل تظن أنني كنت مغفلا لأعتقد أنني أستطيع الإنتصار عليهم ؟ كان هاجسي هو مواجهتهم وفضحهم بل والتنكيل بنموذجهم معنويا ، لأؤدي التزامي العفوي ، وليس لتحقيق المعجزات . ولعلك آخر من يحق له اتهامي بالتردد في مواجهتهم ، فأنت من أعلم الناس بما جرى لي . قد تكون هذه طوباوية مقلوبة ، ولكن الفلسطيني لا يحاسب على ذلك ، إلا إذا أعطيتني شيئا يشبه ما حصل له في التجربة التاريخية .

في مقالي الأخير ” البوتقة ” ، لم أكن أقصد أي حديث عن أي أشخاص . حصرت حديثي على أنماط الأليات التي استخدمها المشروع الغربي في سعيه لملاشاة الواقع الفعلي ” بواقع ” إحلالي عبر مراحله التنفيذية . كانت التجربة النكبوية والإحلالية المركبة التي طبقت علينا هي هدفي من المقال . ذكرت على التعيين كل تلك الأليات بأسمائها ، ولكنني اكتفيت بالإشارة فقط إلى النماذج الشخصية ، لأنني تجنبت التفرع الموضوعي من ناحية ، ولأنني سيق أن ذكرتهم بالإسم في عشرات المقالات . ورأيي في المرحوم إميل حبيبي ” والمفكر القومي القطري ” د. عزمي بشارة معروف لدى معظم قرائي لكثرة ما كتبت عنهما . وما أدهشني أنك تبدو غاضبا مني ، لدرجة كبيرة لأنك اعتقدت أنني تحفظت عامدا ( لأمر في نفس يعقوب ) أو تأدبا ( تظاهرا بالدماثة ) من ذكر بعض الأسماء بالتعيين . وبما أنه لن تبلغ بك الأمور درجة اتهامي بحب أميل حليبي أو حتى عزمي بشارة ، لأن الوثائق المكتوبة ليست في صالحك ، عمدت معي إلى نوع من ” الخبث ” الثوري ، فاتهمتني ، أو كدت ، بمجموعة من الفضائل التي أنا بريء منها ، بدليل أن أحدا قبلك لم يتهمني بها ، ومنها الدماثة البرجوازية ، لتستطيع إدانتي . هل عانيت في حياتي من شيء كما عانيت من المباشرة ( الفظاظة) كما يسميها المجتمع الراقي . ألم تكتب أنت أنك حذرت البعض من سلاطة لساني ، فما الذي حدث لتنسبني الأن إلى الدماثة ؟ هل تظن أن ذلك ممكن في سني ، وبعد عمر كامل من ( البهدلة ) ؟ أنا لا أحترم إلا عقل القاريء فيما أكتب ولا أخشى اتهامي بالكراهية الشخصية ، كما تقول ، فهذه التفاهة لا يمكن أن تحركني . ما يحركني فقط هو التزامي . لقد اتهمت يمينا ويسارا ، وحصلت على ألقاب لا تحلم بالحصول على مثلها ، ومنها الجنون ، ولكن لم يقل أحد أبدا أنني دمث في مواجهة أوغاد المرحلة . سامحك الله ! هل تريد أن تطعمني جوز فارغ لتعاتبني بعد ذلك على سرقة الجوز .

أما تساؤلك عن عدد من يعرفون حقيقتنا وحقيقة غيرنا ، خارج ساحتنا الداخلية ، فليسامحك الرب ! ألم أشر في مقالي إلى مثقفي الساحة العربية الذين ما زالوا يرددون الأكاذيب التطبيعية الكلاسيكية ، التي ابتلعوها بدون تمحيص أولي ، على عادة أصغر النقاد والباحثين والصحفيين . إذا أردت أن تطلع على التاريخ السياسي والثقافي والفكري لساحتنا الداخلية كما تصوره ” جفعات حبيبة ” ، فاقرأ كتب كبار الباحثين والنقاد في القاهرة ودمشق و ” رام أبيب ” . فكيف تلوم القاريء البسيط والمثقف الغافل على احترام ما يكتبه هؤلاء ؟ وأرجو منك أن تفرد لي دقائق من وقتك ، لتخبرني كيف أن شاعرا في قامة محمود درويش الإبداعية ، أصبحت سقطته الفنية والتطبيعية والشيوعية الإسرائيلة ، التي كتبها وهو شاعر ناشيء ، هي أشهر أشعاره حتى اليوم ؟ وبالمناسبة هل لديك اطلاع على ما يكتبه ناقد بارع مثل فيصل دراج على سبيل المثال ؟

صاح ربي ! فأقبل الدولارُ

لا أستطيع أن أتفاءل على حساب الواقع الفعلي يا أخي . وهذا هو الفرق الوحيد بينك وبيني . لقد وصلنا الحد الذي يوجب علينا أن نعيد النظر في بؤس الحالة الفلسطينية عموما . نحن بحاجة إلى تدارك مصيرنا الشامل ، واستنهاض الحركة الشعبية الفلسطينية ، غير المرتبطة بالبؤس الحركي العام الذي عشناه في البوتقة حتى اليوم . الشعب الفلسطيني اليوم ، هو الوحيد المؤهل لاجتراح معجزة فلسطين الفلسطينية . ولكن عليه أن يخرج أولا من ” البوتقة ” . بدون ذلك من المستحيل عمليا وعلميا أن يستطيع مقاومة التطبيع . ليس هناك مكان حتى للتجاوب شعبيا مع مقاومة التطبيع أو أي عمل وطني آخر بدون الخروج التام على التجربة الحالية , والبدء من ثقافة وطنية جديدة . عندها فقط سينتج آليات الرفض الممأسسة لكل ما يجب مقاومته . أما لماذا نقاوم التطبيع أنت وأنا وبضع عشرات أو مئات آخرين منتشرين هنا وهناك ، فذلك لأن الحزن ما زال يسيطر علينا .

أخي !
أنت أكثر من يؤنس وحشة الإلتزام على الساحة الفلسطينية . معك يدا بيد !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى