الاخبار الرئيسيةالراية العالميةالراية الفلسطينيةالعالم الإسلامي والعالمالوطن العربيكلمة الراية

الرئيس سعيد في نهاية الطريق

كلمة الراية

عندما انتخب قيس سعيّد رئيساً لتونس بأغلبية ساحقة ، منتصراً على مرشح الاخوان المسلمين ، بشكل ديمقراطي وسلمي في الجولة الأولى ، اضطرت جميع الأحزاب لتأييده في الجولة الثانية بما فيها حزب الغنوشي  ، لاعتقادهم انه رغبة الشعب التونسي الذي سيحقق التغيير المنشود ، وهو من سيقضي على الفساد والتطبيع الذي مارسته حكومة الاخوان سراً وعلانية مع دولة الكيان الصهيوني ، كذلك سيعاقب من ارسل مرتزقة تونسيين ليشاركوا في الحرب الكونية على سوريا  ويعيد ترميم الاقتصاد التونسي الذي دمرته حكومة الغنوشي والاخوان ، ويعيد سيادة القانون التي تلاعبت فيها حكومات الاخوان وحلفائهم على مدار عشر سنوات من عمر ما اسموه الثورة التونسية على المأفون الدكتاتور وعميل “إسرائيل ”  بن علي .

بدأ فعلاً بإصلاح ومعالجة كل هذه الأهداف الكبيرة ، الا ان حكومة النهضة واغلبية أعضاء البرلمان ، حتى من ذلكم الاعضاء الذين تحالفوا معه قبل وبعد انتخابه ، بسبب تسارع خطواته التي أدت الى اقالة الحكومة وانهاء دور البرلمان ، بل وحله ، دون ان يقوم بخطوات مقابلة مقنعة يؤيدها الشعب ودون ان يبني له تحالفات حزبية جدية لمواجهة المعارضة التي بدأ دورها يتعاظم في الشارع ، مستندة الى أخطاء قيس سعيد ، سواء من حيث الانجازات الاقتصادية عينياً او من حيث الحفاظ على التغيير الديمقراطي الذي احدثته ثورة الانقلاب على بن علي ، الامر الذي ايده بشكل كبير شعب تونس .

حتى هذه اللحظة التاريخية من خطوات سعيد ، كان الرجل يحظى بتأييد الشارع التونسي والشارع القومي العربي المتعطش لهكذا ديمقراطية وطنية معادية للتطبيع مع “إسرائيل” وتعتبر كل مطبع بمثابة خائن ، كذلك الانتصار على حكم الاخوان المطبع مع “إسرائيل” والمعادي لسوريا كنموذج منتصر على الخريف العربي الذي صنعته أمريكا بشراكة مع الاخوان وداعش و”إسرائيل” ..

هنا برأينا حصل قطع الخطوط الحمراء للدستور الذي يمنح للرئيس صلاحيات محدودة بحسب الدستور التونسي الذي انتخب على أساسه قيس سعيد ، “المتمثلة بتسمية رئيس الحكومة والمصادقة على انتخابه من قبل البرلمان او المصادقة على قرارات البرلمان وشرعنتها” ، حيث قام بإلغاء المؤسسات والدستور ، معتمداً على الجيش بشكل مطلق وعلى رصيده الانتخابي للرئاسة في الجولة الثانية معتقداً ان الشعب باغلبيته الساحقة سيؤيده في خطواته الجديدة ايضاً ، ضارباً عرض الحائط آراء  المعارضة حتى اقرب الأحزاب والتيارات التي أيدته  كالحركة الشعبية الممثلة بشكل جيد بالبرلمان التونسي وباقي التيارات القومية واليسارية ، وعلى رأسها النقابة العامة للعمال ( الهيئة العامة للشغل ) صاحبة التأثير الكبير في الشارع التونسي …

في هذا المقام يمكن توصيف تصرف سعيد انه ربما تقفي سيء لأثر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رغم اختلاف الحالات والحيثيات والزمن ، مع ادراكنا المطلق لما حصل من تدمير لآثار لتجربة عبد الناصر الذي احبته كل الامة العربية حتى يومنا هذا ، دون ان يترك حزباً ناصرياً يكمل مسيرته التي تمت خيانتها في مصر نفسها …

 لقد انعكس عناد قيس سعيد في رفض سماع منتقدي الدستور الجديد والأخذ بملاحظاتهم ، ونقصد المقربين الذين يؤيدوه ، فما بالك بالمعارضة القوية من قبل الأحزاب الكبيرة الذين ما زالوا يتمتعون بولاء من قبل قاعدتهم ، رغم الفضائح التي كشفها سعيد ابان حكمهم ، وزجهم في محاكم الفساد والتطبيع مع العدو …

هنا بدأت تظهر او تتسرب معلومات عن تدخل سعودي اماراتي لدعم قيس سعيد من جهة وشن البنك الدولي وامريكا معركة الكماشة مع السعودية والامارات لدعم خطوات سعيد باتجاه العودة عملياً الى عدم الخروج عن سياسة حكومات الاخوان بكل ما يتعلق بالتطبيع مع “إسرائيل” والابتعاد عن المحور المقاوم المعادي للمعسكر الأمريكي في المنطقة … والا سيدفع الثمن اقتصادياً واغراق تونس في أزمات اقتصادية لا سقف ولا قاع لها ، كما هو حاصل حالياً .

فاذا صحت هذه المعلومات فان ذلك يعني ان علاقة سعيد مع السعودية والامارات لم تسعفه في تحسين الوضع الاقتصادي من خلال الحكومة الهشة التي أقامها ،  التي لا تستند الى أي قاعدة حزبية جدية او شعبية ظاهرة للعيان .

الا ان سعيد استمر بخطواته غير المدروسة ، مكابراً ومعانداً للرأي العام التونسي الذي تجلى بنسبة تصويت ضئيلة داعمة للدستور ، الذي كتبه رجل القانون سعيد بنفسه دون ان يسمع لرأي الشارع والأحزاب الموالية له وهيئة الشغل التونسية ، مخرجاً لدستور مبني على أساس قيادة الفرد ، الرئيس نفسه ، الامر الذي اعتبره الشعب التونسي ، بغض النظر عن موقف المعارضة الحزبية ، انه عودة الى حكم الدكتاتور بن علي بكل ما تحمله من مآسي للشعب التونسي ، حيث علق احد المقربين لقيس سعيد ، ” وهل يعتقد الرئيس انه سيبقى في الحكم مدى حياة الشعب التونسي ” !! انها جملة مفصلية ، حيث لم ينتبه سعيد الوطني والقومي النظيف انه لن يبقى على سدة الحكم مدى حياة الشعب التونسي ، وسيخلفه من جديد شخص ، بل اشخاص جدد ، ربما فاسدين ودكتاتوريين غير وطنيين ولا قوميين ولا نظيفين  !!! فلم يؤسس حزباً يحمل فكره ومواقفه  ليستمر بالحكم بعد رحيله !!

لقد ثبتت مقولة هذا الشخص بالفشل الذريع الذي اعترى نتائج انتخابات البرلمان على أساس دستور سعيد الذي لم يؤيده معظم الشعب ، حيث صوتوا بارجلهم خارج صناديق الاقتراع ، الامر الذي تم تعميقه في الانتخابات البرلمانية الجارية حالياً ،  حيث وصلت نسبة التصويت الى 8.8% من أصحاب حق الاقتراع .

ان هذه النتيجة تعبر عن رفض الشعب التونسي الذي انتخب قيس سعيد بأغلبية ساحقة ،  لكل هذا الانقلاب الجذري ، من النظام البرلماني رئاسي الى نظام رئاسي مطلق ، الذي ثار عليه شعب تونس في الثورة التي قضت فيه على نظام بن علي . هنا نسجل ان قيس سعيد لم يستطع الحفاظ على تأييد الشعب الذي انتخبه ، وهو الفشل بعينه .

في خضم قراءة مسيرة قيس سعيد ، رغم ايجابياتها المذكورة أعلاه والتي يجب الحفاظ عليها ، نجد ان الرجل جاء بعقلية رافضة للنظام الحزبي أياً كان ، ابتداءً من ترشحه كمستقل وانتخابه بنسبة عالية ، عززت لديه هذه القناعة الخاطئة ، التي اذا نجحت مرة لا يمكنها ان تنجح طوال الوقت الا من خلال نظام عسكري دكتاتوري قمعي ، اسوة بكل ما هو موجود وما سبقه من نماذج أنظمة عسكرية من هذا النوع .

قيس سعيد لم يحاول تنظيم حزب يستند الى نتائج انتخابه كرئيس ، ولم يعمل كثيراً من اجل استقطاب اغلبية حزبية في البرلمان تسنده في خطواته المقبلة ، يتشاور معها في كل صغيرة وكبيرة ويحظى بدعمها .

سعيد القانوني وليس السياسي والمنظر الآيديولوجي لم ير ان أمريكا وأوروبا الذين يحكمون العالم ، يفعلون ذلك بشكل ديمقراطي برجوازي وشكلي ، الامر الذي ادركته روسيا بعد الاتحاد السوفياتي ، ويحكمه عملياً شخص واحد منتخب اسمه بوتين .

هنا مربط الفرس وهنا وقع قيس سعيد في قناعاته التي ترفض النظام الحزبي الوطني الديمقراطي ، ونعتقد انه غرق كثيراً  ولم يبق امامه الا الاستقالة وتسليم البلاد كتحصيل حاصل من جديد لحزب الغنوشي الأقوى حتى الآن أو إيقاف الجولات الباقية للانتخابات الحالية ومن ثم الغاء دستوره المرفوض شعبياً وإدخال تصليحات ديمقراطية التي تقبلها غالبية الأحزاب ، والابتعاد عن حكم الفرد في تونس تحديداً التي ذاقت طعم الديمقراطية ، والابتعاد عن أوهام ومكائد التدخلات الخارجية من السعودية والاماراتية والأمريكية  التي ربما هي من اوصلته الى هذه النقطة التي يصعب العودة منها !

 فالهدف  في نهاية المطاف هو استغلال فترة حكمه اذا بقيت واذا لم ينقلب عليها الجيش نفسه ، تثبيت المبادئ والاهداف الكبرى الصحيحة التي اتى بها سعيد الى الحكم وأيدها الشعب التونسي ، وهذا الأهم من سعيد واي حاكم آخر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى