اخبار الوطنالاخبار الرئيسيةالراية العالميةالراية الفلسطينيةالعالم الإسلامي والعالمالوطن العربيكلمة الراية

الحرب الاقتصادية على سوريا

كتبه-  رجا اغباريه / عضو المكتب السياسي لحركة “أبناء البلد” وأمينها العام السابق

كانت حركة “أبناء البلد” في الداخل الفلسطيني المحتل منذ عام 1948 هي التنظيم الأول الذي قرأ لوحة الصراع في المنطقة بشكل دقيق ، ما سمي في حينه “الربيع العربي”، خاصة بعد سقوط النظام القومي الليبي على ايدي الناتو .

كنا قبل ذلك مع اسقاط النظامين الفاسدين في مصر وتونس، وقد اعتبرنا هذا ايضاً يندرج ضمن سياسة أمريكا الرامية الى تحديث الأنظمة الموالية لها في مصر وتونس، بأنظمة مقبولة على الشعب أو نتاج تحرك شعبي هناك ، حيث قطف “الاخوان المسلمون ” ثمرة انتفاضات شعبية حقيقية  لم يبادر لها الاخوان ، بل انضموا بحذر وضمن إتفاق واضح مع الولايات المتحدة الأمريكية لتسليم زمام السلطة في هاتين الدولتين للاخوان ، بصفتهم  القوة الأكبر المنظمة في هذه الدول .

إلا أن عملية اسقاط النظام الليبي رغم أي انتقاد له  على أيدي “الناتو” مباشرة ، تحت مظلة ما سمي زوراً وبهتاناً بالربيع العربي ، كشف النوايا الاستعمارية الناتوية الحقيقية وراء إطلاق ودفع القوى النيوليبيرالية والإسلاموية  التي تدور في فلك امريكا لتخترق صفوف الجماهير العربية  المنتفضة، ولتختلط فيها مع القوى القومية واليسارية المتعطشة للثورة الحقيقية على هذه الأنظمة الفاسدة الموالية للغرب و”إسرائيل “، كذلك فعلت بتريث قوى الدين السياسي المتمثلة أولاً بالاخوان المسلمين. وقد تعلمنا الدرس واستنتجنا النتائج السياسية الصحيحة، ووقفنا مع سورية دون تلعثم او تردد كما فعل البعض الفلسطيني والعربي ..

وجاء دور دمشق بصفتها العاصمة العروبية التي كانت وما تزال تمثل قلب العروبة النابض ، العاصمة التي احتضنت المقاومة الفلسطينية عندما كانت مقاومة حقيقية، وحتى يومنا هذا، بما في ذلك الصفح لحماس مؤخراً عن مشاركتها في بداية العدوان الدولي على سوريا عام 2011 .

دمشق، العاصمة العربية التي احتضنت لاجئيي فلسطين عام 48 وعاملتهم كمواطنين سوريين في حياتهم اليومية مع الحفاظ على هويتهم الفلسطينية كي تؤمن ديمومة مشروع المقاومة في العودة والتحرير لفلسطين .

دمشق هي العاصمة العروبية التي وقفت مع الشعب العراقي أثناء الغزو الأول والثاني للعراق واستقبلت اللاجئين العراقيين وتقاسم معهم الشعب السوري لقمة العيش، كما فعلوا مع الفلسطينيين واللبنانيين اثناء الحروب الامبريالية والصهيونية عليهم .

دمشق، العاصمة التي تشترك مع فلسطين المحتلة بحدود سورية محتلة ايضاً ، هضبة الجولان ومشتركة معها في هدف تحرير فلسطين والجولان وكل أرض عربية تحتلها دولة الكيان الصهيوني من أرض الأمة العربية .

دمشق العاصمة التي بنت دولة مستقلة اقتصادياً ، غير مدينة للغرب ولا للبنك الدولي وعندها اكتفاء ذاتي في الزراعة والصناعة والنفط ، ملكت حتى بدء العدوان عليها ، كما افصحت مصادر غربية احتياطي نقدي يكفي سوريا عشر سنوات تحت الحرب . ولم يكن صدفة أن سوريا التي فقدت في البداية نحو 80% من أرضها ، استمرت تتصرف كدولة وصرفت رواتب موظفي الدولة والجيش والشرطة والمرافق العامة، في الأراضي التي سيطر عليها مسلحو “داعش” و”النصرة” وباقي قوى العدوان الذين أدخلوا للأراضي السورية من تركيا والأردن ولبنان والعراق ..

نعم هذه دمشق التي أوقفت العدوان الدولي على أبوابها، ثم صدته، لتتمكن من تحرير معظم أراضيها .

ما يزال نحو 30% من الأرض السورية تحت الاحتلال الأمريكي – صهيوني – تركي – كردي ، الأمر الذي يحتم على الجيش العربي السوري أن يبقى على أهبة الاستعداد حتى تسمح الظروف الدولية التي تحدد رتمها ومسارها روسيا وأمريكا ، في معسكرين جديدين صنعتهما دمشق التي أخرجت روسيا من حدودها لتعيد العالم الى متعدد الأقطاب، الأمر الذي أوضحت معالمه العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ، التي تم التصدي فيها للهيمنة الأمريكية النووية على أبواب موسكو .

هذه سورية التي تصنف امبريالياً وصهيونياً أنها اخطر دولة عربية على وجود دولة الكيان الصهيوني ، صنيعة ومدللة الغرب وقاعدته الاستعمارية المتقدمة في المنطقة ، حيث يشرعنها ويلتزم ببقائها معظم دول العالم بما فيها روسيا  ( وهذا موضوع آخر)، بما فيها الكيانات العربية العميلة التي تشبه نشأتها ودورها، نشأة ودور الكيان اليهودي الصهيوني التوراتي في فلسطين ، التي كشفت عمالتها التاريخية المخفية مؤخراً  واظهرتها للعلن عبر اتفاقات ” ابراهام ” ..

وعندما صمدت سوريا عسكرياً بدعم من شعبها وجيشها وحلفائها في محور المقاومة، إيران وح زب ال ل ه وروسيا وبعض القوى الفلسطينية والعربية،  امام كل هذا الطوفان الاستعماري العالمي العولمي، المعنون بأكذوبة”حقوق الانسان والديمقراطية وحرية التعبير والرأي” .. الخ، وجميعها أقوال حق يراد بها باطل ، هدف وما يزال الى إسقاط الدول العربية القومية تحديداً التي قالت لا للاستعمار ولـ”إسرائيل”، حيث ما زالوا يسعون الى تفكيكها في اقل انجاز ممكن للاستعمار ، بهدف توسيع مساحة سايكس بيكو الامبريالية التي أسست للكيانات العربية الموجودة ولـ”إسرائيل” .

لقد هدفوا لاسقاط الدول والأنظمة القومية  وتفكيك دولهم الى كيانات طائفية، رغم أي نقد داخلي صحيح عليها – وأنا في هذا المقام أردت ان أرى وامتحن هؤلاء المتفذلكين  الذين ينتقدون عجز الأنظمة  القومية العربية في عدم التمكن من توفير الحياة الكريمة المطلوبة وبحق، في إطار انتهاج سياسة سيادة الوطن وصون كرامة الشعب امام دول العدوان . كيف كانوا سيفعلون ذلك ، بغير الارتماء باحضان أمريكا والاستعمار ، الأمر الذي رفضته العراق وسوريا وليبيا .

معروفة هي تجارب الدول الأخرى التي خضعت لاملاءات أمريكا، انظروا اليها ، هل تتمتع بوضع اقتصادي مزدهر أكثر من سوريا ! لا والله !

هناك ثمن للاستقلال والسيادة ومعاداة الاحتلال والاستعمار تدفعه الشعوب المعنية من خلال الحصار الاستعماري الجائر عليها ، انظروا إيران وروسيا وحتى الصين، جميعها يتعرض ايضاً لحصار ولعقوبات .. إنها حرب كونية بين الاستعمار وأعداء الاستعمار . لكن هذا لا يعفي الانظمة الحاكمة من إيجاد الطرق وتشكيل التحالفات والتعاون الاقتصادي فيما بينها كي تصمد وتواجه اقتصادياً ايضاً دول الاستعمار ، وهذا فعلاً ما يحصل ، لكن هذا يحتاج الى وقت ، لا يوفره لنا الاستعمار الذي يفتح لمعسكرنا جبهات جديدة كلما هزم في أي جبهة  ، في أي مكان بالعالم .

إنها الدول المعنية التي قالت نعم للاستقلال الاقتصادي ونعم للديمقراطية الوطنية المستندة إلى تلك اللاءات للاستعمار  ونعم للسيادة الوطنية، نعم لتحرير العرب من الاستعمار الخارجي وادواته الداخلية، نعم لتحرير الأرض العربية المحتلة، وفي المقدمة منها قضايا العرب الأولى فلسطين  وسوريا  واليمن وليبيا والعراق …

عندما فشلوا في تحقيق مآربهم الاستعمارية عسكرياً  وتقهقروا على معظم الأرض السورية، فتحوا الحرب الاقتصادية من خلال ” قانون قيصر ” الأمريكي ومن خلال حصار عسكري جائر تتصدره أمريكا، بدون أي قرار دولي  ومعها  كل دول العدوان ودول عربية وتركيا، يتكالبون جميعاً لتجويع الشعب السوري ودفعه هذه المرة لاسقاط نظامه المعادي للاستعمار وتفكيك جيشه وكل مرافق الدولة  الصامدة . انهم يحاولون تكرار النموذج “الديمقراطي جداً ” في العراق وليبيا، الذي قسم البلاد الى مناطق نفوذ طائفية وولاءات عشائرية جله مرتبط عبر رموزه بالاستعمار الأمريكي ، باستثناء قوى المقاومة هناك  .

سوريا اليوم تعاني من انقطاع المياه والكهرباء والقمح والنفط، وكل هذا متوفر على ارض سوريا، لكنه منهوب من دول العدوان والاستعمار الأمريكي، التركي والعربي والصهيوني …  انها الحرب الاقتصادية المستمدة من العدوان العسكري عليها، الأمر الذي يذكرنا بحصار العراق من عام 1993 حتى تم انهاكها واحتلالها بعد عقد من هذه الحرب الاقتصادية .

نعم هذا هو حال سوريا اليوم .

فلنتحد جميعاً، احباب العروبة وسوريا واليسار والإسلام المقاوم للاستعمار، كي لا نسمح بعراق جديد ولا ليبيا مقسمة جديدة. ولنمتثل لصوت شعوب الامة العربية الذي انتفض في مونديال العرب، حيث خيبوا آمال ” إسرائيل ” وكيانات التطبيع العربي، وقالوا لهم ” لا يوجد إسرائيل، يوجد فلسطين فقط “، ونحن نقول لدمشق، باسم كل فلسطيني حر ومقاوم للاستعمار الصهيوني والعالمي، اننا نقف مع سورية ليس منة، بل وفاءً مع الدولة التي وقفت مع فلسطين وكل أحرار الأمة .

واخيراً نقول للمترددين والمخدوعين نحن مع سوريا ايضاً لأننا مع فلسطين .

ليرفع الحصار عن سوريا وغزة  فوراً. ليسقط الاستعمار في سوريا وفلسطين وكل الوطن العربي  والإسلامي، الاستعمار العسكري المباشر والاستعمار بالوكالة . إنها أمة عربية واحدة ، قلبها النابض دمشق  ،شاء من شاء وأبى من أبى .

19.1.2023

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى