التهديدات الكلامية المتبادلة بين قادة الكيان وحزب الله !
كلمة الراية
بقلم : رجا اغباريه
تتكرر في الأيام الأخيرة التهديدات الكلامية بين حزب الله وقادة الكيان الصهيوني ، التي كان آخرها وابرزها تصريح وزير الحرب الصهيوني جالانت ، عندما زار شمال فلسطين المحتلة ، وظهر هناك بشكل علني امام وسائل الاعلام ، وهو يدرك تماماً ان حزب الله يراقب تحركه هناك ، واعتقد انه تعمد علنية الزيارة ، كما تعمد اطلاق تصريحه الفاشي ” بان حزب الله اذا اخطأ وارتكب حماقة ، فاننا سنعيد لبنان الى العصر الحجري ” ، أي انه سيدمر لبنان كله وليس المناطق التي يتواجد بها حزب الله ، كي يضغط بذلك على الطابور الخامس في لبنان ( عملاء إسرائيل وامريكا ) ، بأن يضغطوا بدورهم على حزب الله ويحملونه مسؤولية أي حرب قادمة بين دولة الكيان وحزب الله .
واذا ما راجعنا موقف حزب الله ، على لسان السيد نصرالله ، فاننا نجد نفس الكلمات ونفس التعبيرات ، باستثناء ان السيد حسن لم يهدد بتحويل دولة الكيان الى العصر الحجري ، ربما لانه لم يمر هذا الكيان بالعصر الحجري ، فهو كيان دخيل احتلالي في فلسطين والمنطقة ، بل يهدد بأقصى الحالات ، ان المقاومة ستقوم باحتلال مناطق من الجليل الفلسطيني ، أي تحريرها من ايدي الكيان …
جالانت بتصريحه الأخير ينم عن رعب وخوف من ان حزب الله سيقوم بدخول الجليل ، والدليل على ذلك بالنسبة لجالانت هو ما يعتبره من استفزازات على الحدود من قبل حزب الله ، كنصب الخيمتين ، والسماح للفلسطينيين باطلاق صواريخ مضادة للدبابات نحو حاملة جند إسرائيلية ، كذلك تقطيع اوصال الشريط الحدودي من قبل عناصر حزب الله وغيرها من الاعمال والتصريحات حول قرية الغجر التي سيطرت ” إسرائيل ” على القسم اللبناني فيها جهراً نهاراً ، بشكل يخالف قرارات مجلس الامن ، ومطالبة حزب الله باستعادة هذه المنطقة ، إضافة الى المناطق الأخرى التي تحتلها ” إسرائيل ” من الأراضي اللبنانية …
لقد اعتبر الكابينيت ، مصدر زيارة جالانت واطلاق تصريحاته الغبية ، ان حزب الله يتحرش بجيش الاحتلال الصهيوني كي يفتعل حرباً معها ، لاعتقاده السليم ان ” إسرائيل ” مفككة اجتماعياً وسياسياً وجيشها مفكك الى حد كبير ويشهد تمرد علني لعدد كبير من الطيارين العسكريين وضباط احتياط وحتى جنود ، وان هذه فرصة حزب الله كي يحقق انتصاراً آخر على دولة الاحتلال .
والحقيقة التي كشفها بعض المحللين العسكريين ( وهذا الأهم ) ، ان حزب الله يسعى لافتعال حرب مع ” إسرائيل ” بسبب ظروفها التي ذكرتها ، وبسبب منع ” إسرائيل ” من اكمال بناء الجدار الفاصل الذي تقوم بانشائه دولة الكيان بينها وبين لبنان على غرار جدار غزة ، الذي “سيمنع” حسب استراتيجيتهم قوات النخبة في حزب الله ( رضوان ) من دخول شمال فلسطين المحتلة واحتلال بعض المستوطنات اليهودية هناك . وان الكابينيت وجيش الكيان غير جاهزين حالياً لخوض منازلة مع حزب الله ، وانهم يسعون لكسب الوقت حتى يتم انجاز الجدار الفاصل المزمع إنجازه خلال الشهور القليلة القادمة ، حسب رأيهم .
هنا يستحضرني الجيش العربي المصري الذي اخترق حاجز قناة السويس وخط بار ليف الذي كان يعتقد قادة الكيان ان مصر لن تتمكن يوماً من عبور هذا الحاجز المائي ، وقد حصل . فالذي يخوض غمار الحروب ، يجد الحلول لمثل هذه الحواجز المائية والاسمنتنية …
فاذا ما افترضنا جدلاً ان هذا الاعتبار هو احد الاعتبارات الحاسمة لدى الكيان بخوض حرب ام لا مع حزب الله ، فهم اذن يماطلون حتى اكمال عملية الجدار التي ستبعد ( حسب رأيهم ) الى الابد إمكانية خوض حزب الله حرباً لتحقيق مآربه المعلنة ، بتحرير الجليل ، فان هناك اعتبارات كثيرة تردع ” إسرائيل” من شن عدوان على لبنان وحزب الله ، أهمها انها تكتفي بالاراضي اللبنانية التي تحتلها ، وليس لها اهداف جديدة لإعادة احتلال جنوب لبنان الذي اذاقها الامرين وخرجت منه تجرجر ذيول الهزيمة ، كذلك لا تريد ان تتوحد ساحات المقاومة ضدها ، من ايران حتى غزة وربما غيرها ، لذلك برأيي الذي يستند لكثير من الدراسات الاستراتيجية الصهيونية ، فان ” إسرائيل ” لا تريد أكثر من الحفاظ على الوضع القائم ، بما يتعلق باحتلال أراضي ، سواء في غزة او لبنان تحديداً ، وانها تريد فقط الاستمرار في الاستيطان بالضفة الغربية حتى ضمها عملياً وبدون حرب جديدة ، بل الاكتفاء بالحفاظ على الوضع القائم جغرافياً وعسكرياً ، كذلك الامر مع هضبة الجولان السوري المحتل ، حيث بدأ الكيان بتجنيس اهل الجولان اسرائيلياً وتوسيع الاستيطان هناك …
بقاء هذ الوضع على حاله ( الاستاتيكو القائم ) ، رغم الضربات البينية المتبادلة مع ايران وحزب الله وسوريا وقطاع غزة وملاحقة المقاومين في الضفة سوية مع قوات لحد للأمن الوقائي في الضفة ، انما يخدم دولة الكيان ويرسخ احتلالاتها ويؤمن حدودها من حيث قدرة الجيوش المعادية لها من اختراق الحدود وتحرير أجزاء من ارض فلسطين ، كما تعتقد … أو أو … الى آخره من الاحتمالات …
اما مسألة تحويل لبنان وقطاع غزة كما صرحوا سابقاً مراراً وتكراراً الى العصر الحجري ، انما يستند الى استمرار دولة الكيان ، بعدما اطمأنت على حدودها الاحتلالية الجغرافية ، بان تقوم بردود على أي شكل من اشكال المقاومة سواء من غزة او لبنان ، وحتى ضرب المفاعلات النووية الإيرانية … بالطيران فقط ، أي تدمير لبنان وغزة بالطيران ، دون الدخول في حرب شاملة ميدانية ، فهي اجبن من ان تخوض مثل هذه الحروب ، خاصة ان جيشها المهني الصغير وتمرد احتياطه على الخدمة ، غير جاهز لخوض مثل هذه الحروب ، وتخشى الخسائر الفادحة في الجيش والمواطنين ، حيث سينقلب عليهم جمهورهم ومواطنيهم الذين اصبحوا يحملون جواز سفر احتياطي لأي طاريء من هذا القبيل والهجرة من هذا الكيان الذي يعتريه التفكك المجتمعي والعسكري والسياسي … فما بالكم بحرب شاملة تسقط فيها آلاف الصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة ، التي أصبحت تناهز قنبلة نووية ، دون ان تنتجها ايران التي تستطيع خلال أسبوعين من تركيبها وجعلها جاهزة للاستخدام ، بحسب نفس الباحثين الاستراتيجيين ومعظمهم من العسكريين السابقين ، وكما كتب قبل يومين رئيس ” معهد الأبحاث الاستراتيجية” الصهيوني نفسه : “ايران حققت ردعاً نووياً من دون حيازة قنبلة نووية ” .
كذلك الكثير من النواقص وعدم الاستعداد للحرب الشاملة الامر الذي كشفه ايضاً باحثون استراتيجيون في “معهد الأبحاث القومي” الصهيوني في الشهر الأخير ، وهو ما يدركه الكابينيت ونتنياهو وجالانت .
في النهاية ، اعتقد ان ” إسرائيل ” تربح الوقت وترسخ احتلالها ودورها في المنطقة دون الحاجة لدخول أي حرب تقليدية فيها مواجهة ميدانية ، وهي تحاول بتهديداتها المتكررة ردع حزب الله وايران تحديداً من خوض هذه التجربة . فهم على هدي استراتيجيتهم يريدون تحقيق أهدافهم العسكرية والاستراتيجية في المنطقة دون الخوض بحرب شاملة ومن دون خسائر بالارواح وبالاقتصاد ، من شأنها ان تحول ” إسرائيل ” الى كيان مدمر ، مما سيؤدي الى هروب اكثر من نصف سكانه الى بلدانهم الاصلية …
لذلك فان ” إسرائيل ” تحذف الكرة مرة تلو الأخرى الى ملعب صانعي الاستراتيجية في محور المقاومة ، خاصة الشق الفلسطيني واللبناني والسوري منه . فارضنا هي المحتلة وتقوم عليها قاعدة متقدمة للاستعمار لها دور وظيفي واضح ، تعيث فيه فساداً وخراباً في منطقتنا العربية تحديداً ، دون رادع !