مقالاتمنتدى الراية

“أميرة” بين تهويد العقل العربي وغياب المرجعية الفلسطينية

كتبه- عمر نزال

أثار الفيلم الدرامي العربي المشترك “أميرة”، حالة من الجدل الواسع أفضت الى وقف عرضه، وسحبه من الترشح لجوائز الاوسكار الثانوية، وقيل فيه الكثير قبل وبعد وقفه، وبما عكس قدسية قضية الأسرى لدى الفلسطينيين وبعض العرب، وحساسية القصة التي يعالجها الفيلم، وهي في الواقع من أكثر مآثر الأسرى نبلاً وأنسانية، يتجلى فيها بوضوح اصرارهم على توليد الحياة من العدم، وانتصارهم بنقطة فارقة على السجان.

لن أخوض في الفيلم الذي أشبعه الكثير من النقاد والسينمائيين تشريحاً، ووقف ضده بصلابة الأسرى والمحررون وعوائلهم والمؤسسات التي تعنى بهم، واستهزء به كل من تسنى له مشاهدته، لركاكة معالجاته الدرامية، وهبوط مستواه الفني.

من منظوري، فأن الأمر لا يقتصر على هذا الفيلم وطاقمه بالذات، اذ ياتي (أميرة) في سياق توجه لتهويد العقل العربي العامل في ساحة الثقافة والفن، بدأ منذ سنوات من خلال انتاجات درامية كبيرة، واعمال فنية من انماط أخرى، (تأنسن) اليهود واليهودية، وترفع من شأن ( ساميتهم)، في ظل تغييب متعمد للفواصل بين اليهودية كديانة سماوية، وبين اليهودية كمظلة ودرع وقاية للحركة الصهيونية الغارقة في العنصرية، بمعنى أن هناك محاولة لتقديم الكيان الاستعماري العدواني، من بوابة التعددية الدينية وما تقتضيه من تعايش وتسامح، وربط ذلك بتاريخ اليهود وحقوقهم في الجزيرة العربية والمنطقة ككل، وهي محاولات ليست عفوية أو سطحية بل تأتي كتجلي لمساعي التطبيع، وما يتخطاه نحو تهويد العقل، أو بتعبير أدق، أسرلة العقل العربي المهيأ أساساً للتنازل عن حقوقه وقناعاته ومواقفه، ارتباطاً بالتنازلات السياسية المستمرة، وحالة التطبيع العربي الرسمي المستجدة في علنيتها، واتكاءً على الشعور بالدونية المتجذر لدى الكثير من العرب.

والحال هذا، ومع التقدير للحملة وللمواقف الواسعة التي أفضت الى وقف عرض الفيلم، وسحب ترشحه، وحتى وان تم ضمان سحب الفيلم تماماً وعدم عرضه باي وسيلة، فان هذا يبدو علاجاً متأخراً، وعلاجاً موضعياً لا أكثر، فالفيلم قد تم عرضه على شاشات عدة، وبطرق عدة، وان كان ذلك أمام جمهور وفئات محدودة، كما أن الهجمة ضد الفيلم كشفت، بغير قصد بالطبع، عن مضمون الفيلم، وعممت رسالته المنحطة بشكل أكبر من الفيلم ذاته وعروضه التي قد لا تحقق من الاتساع والتعميم ما حققته المواقف ضده، ليس هذا فحسب بل ان الأهم هو البحث دوماً عن سبل عدم تكرار مثل هذا التزييف والتشويه للروايات الفلسطينية، وخاصة في القضايا الحساسة، وعدم تحويل المآثر الى منافذ لتشويه النضال الفلسطيني، ليس فقط بطابعه الوطني، بل حتى في خصائصه الانسانية.

ولان جاءت بعض الاعمال الدرامية لتنصف الرواية والموقف والنضال الفلسطيني، مثل المسلسلات الشهيرة، التغربية الفلسطينية، عائد الى حيفا، وغيرها، فان هناك العديد من الاعمال التي هدفت للاصطفاف حول القضية الفلسطينية، لكنها أخفقت في ذلك لاسباب مختلفة، فنية وغيرها. فيما السؤال الأهم هنا، لماذا يغيب الدور الفلسطيني الفعال عن هذه الساحة؟ سواء بالانتاج، او المساهمة في الانتاج، او حتى الاسهام والتدقيق في المعالجات الفنية والدرامية؟ اجابات السؤال واضحة، وطالما حددها المهتمين وذوي الاختصاص، وجميعها تتعلق بغياب الارادة لدى المستوى الرسمي من ايلاء هذا القطاع أية أهمية او رعاية، وعدم تخصيص اية ميزانيات جدية لدعمه، أو حتى تقديم أية تسهيلات لعمله، وباستثناء محاولات غير جدية من بعض وزراء الثقافة والاعلام السابقين، والاهتمام المحدود من الهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون، فان هذه المساحة بقيت خالية. ولكي استبق بعض الاجابات التي قد تقول بان هناك مساع الآن لتشكيل اتحاد للعاملين في المهن الفنية، بما فيها لتلفزيونية والسينمائية، فان هذا وعلى اهميته، لن يقدم الحلول المرجوة للنهوض بهذا القطاع ودعمه.

بالخلاصة، ولكون الدراما، افلام ومسلسلات، وغيرها من صنوف الفنون والاعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية، ذات أهمية بالغة في التأثير على المشاهدين، ونشر الرواية الفلسطينية، التي بتنا نحتاجها حتى في الوطن العربي، ناهيك عن العالم، فقد بات ملحاً انشاء مرجعية فلسطينية تعنى بالدراما والانتاج السينمائي، وحتى الوثائقي، المتعلق بالقضايا الفلسطينية الكبرى والهامة، تضمن نشر رواية العدالة والحق الفلسطيني، وتقطع الطريق وتتصدى لكل محاولات تهويد العقل العربي في حقل الثقافة والفنون خاصة، وتقديم الأمول اللازمة لها حتى لا تكون رهينة التمويل الاجنبي، المشروط دوماً بما يشوه الحقائق ويضر بالرواية الفلسطينية ويفتح منافذ التهويد والتطبيع الصريح او المتخفي بثوب الاتزان والموضوعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى