ألا تسكن في بتاح تكفا؟- قصة قصيرة
الكاتب : محمد نجار
إلتقينا بعد ما يقل قليلاً عن العشرين عاماً، جيل كامل فصل آخر لقاء لنا، “عُمْر” كما قال هو. أتتخيل أن تلتقي شخصاً تعرفه بعد عشرين عاماً؟ أو مع شخصٍ تحبه، بل ربما تحسده، بعد هذا العُمر؟ أعرف أن الأمر ليس بمعجزة، لكن أن تكون في نفس المدينة ولا تراه؟ أعتقد أن لا علاقة للأمر بالصدفة فقط، بل بقرار قد اتخذه أحدنا أو كلانا.
إحتضنني وشدني نحوه، كأنه ظل يفتقدني طوال هذه الفترة، ولم تسنح له ظروفه بلقائي. جاملته بالطبع، ولما أخذت حريتي من بين يديه بعدما أطلق سراحي، رأيت كيف مر العمر بهذه السرعة. رأيت كِبَري في وجهه، من خلال التجاعيد التي حفرها الدهر كطريق غير معبد تناثرت حجارته، من خلال الشيب المتسلل إلى ليالي رأسه. فكوني قد اعتدت على رؤية نفسي ولم ألحظ هذه التغيرات، لا يعني البتة أنها غير موجودة. ربما تفاجأ هو أيضاً لمّا رآها مرسومة بوضوح، على صفحة وجهي، بعد كل هذه السنين.
إلتقينا آنذاك في زنازين المسكوبية في القدس، أدخلوه على زنزانتنا بعد أيام من وجودنا هناك. كان التحقيق قد انتهى معنا، وكان هو قادم من جولة التحقيق الأخيرة له. فهذه الزنزانة والزنزانة المقابلة لمن انتهى التحقيق معه عادة، قبل أن ينزلونا إلى غرفة التوقيف، أو يشحنوننا كل إلى سجن.
تعارفنا حينها، كنا طبيبين وثالثنا مهندس في الزنزانة المقابلة، أدخلوه عندنا نحن وليس في تلك الزنزانة المقابلة. كان التحقيق قدانتهى معنا منذ أيام، حيث قدّمنا اعترافنا وننتظر لائحة الإتهام. كان هو عاملاً يعمل في إحدى المستوطنات، يتحدث قليلاً وبرويّة، يكاد يُشعرنا أنه يلتقط كلماته عندما علم أننا في هذا المستوى العلمي. كانت مفاجأته التي حاول إخفاءها عندما عرف أننا معترفين، وتفاجأنا نحن أكثر لمّا علمنا أننا كلنا مجتمعون، لا نساوي رجولته، أو لو أننا جمعنا رجولتنا مجتمعة لرجحت رجولته علينا. صرنا نبرر لأنفسنا، في دواخلنا، “أن لكل جواد كبوة”، وأن كبوتنا هذه ليست بتلك الكبوة الكبيرة، لأننا لم نعترف إلا على أنفسنا.
بقي معنا أياماً متتالية، نقلوا زميليّ وبقينا نحن الإثنان معاً. في الزنازين تتحدث بكل شيء إلّا الممنوعات، والممنوعات هي الشئون الوطنية، فلا كلام في الخصوصيات الحزبية والتنظيمية. فأنت أولاً وأخيراً تجهل كل شيء عن زميلك في الزنزانة، فربما يكون اي شيء، مناضلاً أو نصف مناضل أو عميلاً، وربما إنساناً عادياً رمته الصدفة أو القليل من شجاعة مؤقتة أو ردة فعل، فلم نتحدث بشئء ذي معنى طوال أيام.
علمت أنها لم تكن تجربته الأولى في الزنازين، بل إنه من روّادها، وكان كما هو الآن، لم يُسجل إعترافاً ولو مرة واحدة. قال لي ربما من باب الحيطة والحذر، “أنا لست بطلاً، أنا ليس عندي ما أعترف به”، وسكت. لما أخبرته أنني إعترفت على نفسي من شدة التعذيب، أهال في عينيّ جمرات من عتب غاضب صامت، كدت أسمع صرخته دون كلام “أنصف خيانة تعني؟ أم أن خيانة الذات أقل تكلفة ويمكن تبريرها؟”. سألني:
ـ كم كان قد مضى عليك في التحقيق؟
قلت:
ـ خمس وأربعون يوماً.
قال:
ـ لو عضضت لسانك بضعة أيام أخرى لكنت اليوم في بيتك.
قلت:
ـ لم أتحمل التعذيب أكثر، صار التعذيب أقسى من أيامه الأولى.
قال:
ـ إنها كالولادة، كلما زادت آلام الطلق، كلما اقترب خروج الطفل للحياة وكانت نهاية الألم.
كدت أضحك في سري على كلماته، أخبره بأني”أنا الطبيب وليس أنت” فأوقفني خجلي. ولما ترك نظراته تسرح في ثنايا رأسي، قال مستدركاً:
ـ هناك أشياء تعرفها من الحياة، وهي ليست بحاجة لتوصيف طبيب.
لطالما كنت أمقت المتفلسفين أو المُفتين دون علم، لكن هذا الرجل كان يقول الأشياء دون تكلف. تسيل الكلمات من فمه كأنها جدول صغير يتمشى بين أشجار الحقول، متناغماً بخريره مع نسمات الغسق، ليعزفان سوية نغمات ناعمات على ضفاف المساء.
ثم أكمل شعراً كلمات للشاعر مظفر النواب مترنماً:
ـ أنا يقتلني نصف الدفء
ونصف الموقف أكثر.
لم أعلق، لكنني بقيت أفكر في كلماته، فأنا ،قبل ذلك، لم أفكر بهذ الطريقة أبداً، وربما لو فكرت لانعكست النتيجة وانقلبت رأساً على عقب. بصراحة أكبر، فإن ما فاجأني أن هذه الكلمات بدت وكأنها تخرج عن مثقف، وصرت أتساءل مع نفسي: أيكون هذا الرجل منهم؟ وأنا الطبيب لست سوى رجلاً متعلماً، يعرف صنعته، مثل نجار أو حداد يعرفان دواخل مهنتيهما فقط! تأكّد صحة ما ذهبت إليه مع توالي الأيام التي عشناها سوياً في تلك الزنزانة، وفي زنازين مدينة رام الله لاحقاً، قبل أن يسلموني بيدي ورقة بالعبرية تتضمن لائحة إتهامي، وينقلونني من الزنازين إلى غرف السجن، حيث بقينا ما يزيد قليلاً على أسبوعين كاملين.
في الزنازين للوقت ثمن، فالوقت مارد يتربص، تكون في حالة من التوتر الدائم، الخوف من اعتراف جديد، من العودة للشبْح والقيد والتحقيق. من داخل توترك يقودك حدسك، يرشدك، يوجّهك، يوازن لك ما بين العقل وبين القلب. من داخل هذا التوتر ذاته تتعمق صداقات لا تكاد تتخيلها، تبدو مستحيلة في الخارج، وبالعادة صداقات ثابتة تتعمق مع كل لحظة تمر. تصير مع توالي الأيام، مغروسة في القلوب، تتمدد جذوراً تسير مع الشرايين، وجسوراً متتابعة متواصلة بين البشر، أو هكذا تبدّى لي في تلك الأيام.
في مركز تحقيق المسكوبية في القدس، صاروا يأخذوننا من الزنزانة لتناول وجبات الطعام في غرفة تابعة لمطبخ السجن، وصرنا نلتقي ببقية السجناء الأمنيين القادمين من غرفة الإنتظار، المتراكمين فيها لتوزيعهم على السجون المختلفة. صرت أرى احترام الناس له، معرفتهم به، وعلمت أنه وصل لهذه الزنازين بعد جولة واسعة في زنازين مختلفة في أكثر من مدينة، ولما جاءنا كان قد مر عليه مثلما مر علي من مدة زمنية. كان يتوقع أن لا ينتهي التحقيق بهذه البساطة، لكنهم وعلى غير توقع، أوقفوا التحقيق معه وبعد أيام على ذلك نقلوه من زنازين سجن نابلس المركزي إلى زنازين المسكوبية.
ظل يقول أن جولة التحقيق هذه معه كانت شرسة لكنها سريعة، فهو في معظم جولاته السابقة كانت لا تقل مدة الواحدة منها عن ثلاثة شهور سوى أيام عدة، لكنها المرة الأولى التي اختُزلت ودفعة واحدة إلى النصف تقريباً. كان هذا الموضوع يشغل تفكيره أحياناً، لكن بشكل لا يخلو من استغراب، كنت أصحو من النوم أحياناً لأجده يكتم ضحكات متفجرة يحاول أن يطفئها جاهداً دون نجاح، قبل أن تنتشر في مساحة الزنزانة المغلقة، فتوقظني شظاياها.
كنت أستيقظ بسبب توتري، كما بسبب غبائي، وأحياناً كنت أفتعل النوم وعيناي تحملقان في سقف الزنزانة المضاءة بضوء أصفر باهت، سيؤدي حتماً للتأثير على البصر في قادم السنوات. بقيت أضرب رأسي بأسئلة تزيد حنقي على نفسي، وتكشف لي غبائي المتأصل: كيف استطاعوا إقناعي، وأنا الطبيب المتعلم، أن اعترافي سينقذ جلدي؟! لو لم أكن ضعيفاً لما صدقتهم، لو لم تكن لدي الرغبة بالإعتراف لما اعترفت. كنت أخلص إلى النتيجة التالية في كل مرة: أنني كنت أبحث عن مخرج لضعفي، عن مبرر أتكئ عليه، يُشكل لي حاملاً أو حتى عكازاً ضعيفاً متهلهلاً يحمل تبريراتي ولو بصورة مؤقتة بين الناس، أتخطى به عجزي وضعفي وأجد بذلك ما يبرر خيانتي لنفسي.
مرات كنت أتساءل: أليس من السهل على مَنْ يخون نفسه أن يخون الآخرين؟ وأصل إلى النتيجة المؤلمة التي طالما هربت منها، ربما لو استمروا بضغطهم وتعذيبهم. للحق ومن باب الإنصاف، كان الأمر يربكني ويذهلني، فأحاول كبت تفكيري وأوقفه عن الجريان. كان هو لا ينتبه ولا يعرف ما يدور برأسي، فلديه، في معظم لياليه على الأغلب، ما يضحكه، وبالتالي ما يبعده عن خلايا رأسي وتلافيفه، ولم أزعجه بدوري بسؤاله عما يُضحكه. يضحكه إلى درجة انفجار ينابيع الدموع، فتتدفق وتكاد تكشف أسرار قلبه، وصار الأمر من طرفي مساومة مع نفسي، “أتركه أنا مع ضحكاته ليتركني هو مع آلامي وهمومي”.
بقي الأمر كذلك، حتى نقلونا سوياً إلى زنازين مدينة رام الله، وهناك، بقينا في الزنزانة رقم خمسة سوياً، مع ثلاثة من المعتقلين. لما فرغ مكان في السجن نتيجة لحركة التنقلات الدائمة، ودعته قبل نزولي الى هناك، وتفاجأت بعد أيام من أحد القادمين الجدد، أن حسّان قد خرج إلى بيته.
عشرون عاماً مضت، ولا أدري لماذا كان طيفه يمر من فوق رأسي بين حين وآخر، وأنا في البيت أو أثناء دوامي في عيادتي الخاصة، وأحياناً وأنا أتمشى مع زوجتي في شوارع المدينة الفاجرة.
ها هو ينقض عليّ، يعانقني ويقبلني، كأنه رأى أخاً له، وأنا ،من باب رفع العتب، أضرب بكفي على كتفه، فتلك الأيام ماتت منذ زمن، بالنسبة لي على الأقل. ربما لأنني أريد أن أخفي تلك المرحلة من عمري، أن أقبرها وأهيل فوقها التراب. ما زلت أعتقد أن تلك التجربة لم تشرّفني، وأنها مرآة تريني، رغم أنفي، هشاشتي وزيفي. الآن صرت متأكداً أن طيفه ظل يلاحقني ليريني أن أنصاف المواقف لا تليق برجل كامل.
أصر على اصطحابي إلى مقهى مجاور، حيث تقابلنا لنشرب الشاي، وسألني عن أحوالي وعملي. إن كنت قد تزوجت وعدد أطفالي، ورأيتني أخبره كما في الأيام الخوالي، ونسيت تحفظي عليه أمام نفسي، واختبائي خلف ضعفي. صارت الكلمات تسيل من فمي بتأنٍ، كانت تنز بأحرف متقطعة في أول الأمر، وتحدثنا طويلاً، وطلبنا الشاي مرة أخرى. سألته بدوري، وعلمت أنه أعتقل أكثر من مرة من سلطتنا الموقّرة، ومن ثم أعتقل إدارياً، وأن ذلك تم بتنسيق ما بين سلطتنا وسلطة الاحتلال، ضمن سياسة الباب الدوّار من باب تكامل الأهداف. قال:
ـ أننا الآن في زمن آخر، زمن تحالف إخوة الأمس مع أعداء كل يوم، وفي هذا الزمن أنت تُراقَب بأربع عيون وليس باثنتين فقط. تُسجن في سجنين بتحالف من سجَّانَين، وتُقتل برصاصتين، رصاصة من كان لك أخاً ورصاصة عدوك الدائم. وفي النهاية، الخير في العربان ونفطهم، الذي يدفعونه بسخاء ليغطوا مصاريف الرصاص والسجون والتدجين والأعلاف.
كنت أعرف كل ما يقول، أو بالأصح كنت أراه، لكن كل ما خطر في ذهني في تلك اللحظات، شيء آخر مختلف عن كل ما يقول. بل إنني كنت لا أسمع ما يقول وأنا أحاول صياغة سؤالي بطريقة مناسبة، وألبسه بدلة وربطة عنق كيلا يكون فجاً ومحرجاً، وكي لا أبدو وكأنني كنت أتجسس على حركاته في تلك الليالي، قلت:
ـ في تلك المرحلة، كما تعلم، كنت أكاد لا أنام.
قال:
ـ كنت أحس بك في الكثير من الأيام.
قلت:
ـ كانت ضحكاتك تتفجر ينابيعاً، فتذيب الصمت المتوتر من على جوانب أذنيّ، فأسمعها رغم أنفي.
عاد إلى تلك المرحلة، وسرعان ما بدأ يضحك من جديد، وقال:
ـ هل أزعجتك ضحكاتي؟ هل أقلقت منامك؟
قلت:
ـ بالعكس، كنت أكبت أنفاسي وأعض على كلماتي، وأبقيت فضولي حبيس أدراج صدري كي لا أسألك لماذا تضحك؟
قال متداركاً:
ـ وتريد أن تعرف الآن سر ذلك؟
أمام ابتسامته، رأيتني أهز رأسي بالإيجاب، فقال:
ـ في تلك الفترة الزمنية، وقبل اعتقالي بشهور، كنت أعمل مع مقاول عربي في الداخل الفلسطيني، كان لديه عقداً بترميم بضع البيوت في مدينة ملبس الفلسطينية التي أسموها بتاح تكفا. هناك في شارع فرعي بإسم يافو كنت أقوم بتركيب الحوائط الجبسية، وكان صاحب البيت يروح ويجيء بين وقت وآخر، يحضر للمقاول ما يحتاجه من مواد البناء.
شرب شيئاً من كاسة شايه، وابتسامته معلقة كمصباح تحت شاربيه وتابع:
ـ حتى هذه اللحظة فالقصة عادية وطبيعية. في الأيام الأولى لوجودي في زنازين المسكوبية، كان أحد أفراد مخابراتهم يتعمد ضربي وإهانتي. كان دوره هو دور الذئب معي، فكان لا يترك لحظة إلاّ واستغلها في ضربي، خاصة أمام الآخرين، ليثبت لهم حسن أدائه، كما أن الأمر محمود لديهم مادام المتهم عربياً. كان هذا الرجل هو نفسه صاحب البيت الذي عملت فيه، أتتخيل الصدفة؟! لكنه لم يتذكرني، حتى أنه لم يفكر في ذلك، فهؤلاء من الغرور لدرجة لا يقيمون لنا وزناً. كما أنني في تلك الفترة لم أتعامل معه لا من بعيد ولا من قريب لأن تعامله مع المقاول وليس مع العمال. لمّا كان يضربني في أحد الأيام، وكنت مقيداً أمامه في الكرسي من يديّ وقدميّ، قفزت فكرة أمام عيني وشكلت سؤالاً صار يتفلت من على لساني. قررت أن أرمي به في وجهه، وتذكرت والدتي عندما كانت ترمي بقصتها هذه في وجه أيٍ كان في ظروف مشابهة، عندما كانت تُردد وتقول “قال الله للقرد أريد أن أسخطك، فقال القرد: أأكثر من ذلك يالله، إنني قرد وطيزي حمراء”. قلت في نفسي “نعم …أكثر من القرد لن يسخط الله”، فحملت كلماتي ورميتها في وجهه وقلت له بما يشبه التهديد:
سكب ما تبقّى من الشاي في حلقه مباشرة، كأنه يرمي بعيداً بما يُربك إكمال قصته وإتمامها، وتابع قائلاً، قلت للضابط بجدية كاملة:
ـ أتعتقد أنني لا أعرفك؟ أتعتقد أنك بعيد عن أيدينا؟ لقد صار اسمك وعنوانك في الخارج أيها الغبي.
وقفت عيناه عن التحرك، وتسمرت يمناه، وبالكاد فتح فمه سائلاً:
ـ ماذا تقول؟ أتحادثني أنا؟
ـ أيوجد أحد غيرك في الغرفة معي؟
قلت مؤكداً وتابعت هامساً:
ـ ألست من بتاح تكفا؟ ألا تسكن في شارع “يافو” رقم تسعة؟!
عادت يده إلى جنبه، تحوّل لون وجهه إلى لون الموت، كأنه، دفعة واحدة، فقد كل قطرات الدم، أو كأن الدم لم يعد قادراً على الصعود بعد أن أُغلقت أبواب الشرايين أمامه. لسانه الذي كان إلى قبل لحظات يتفنن بلسعي وجَلدي بكل ألوان الشتم، قد شُلَّ أو أنتزع من مكانه، وصار ينظر حواليه، وقال بصوت هامس راجف جبان:
ـ أرجوك… لدي زوجة وأطفال، إنني أقوم بعملي فقط… أرجوك…
كان يتلفت مذهولاً مرعوباً، يقطر الجبن منه كما يرشح الماء من زجاجة مثقوبة، وقال من جديد:
ـ لن أمسّك بعد الآن بسوء، وأنت إبق على ما أنت عليه، لا تعترف، وسأعمل على أن ينتهي التحقيق معك بأسرع وقت، ثق بي أرجوك…
ودون أن أنطق بكلمة، أكمل:
ـ إعتبر الموضوع منتهياً.
صار أثناء شبحي يأتي ليخفف من ضغط القيود على يديّ، وكان يُغرق زنزانتي بالسجائر، ولم تمر إلا أيام قليلة ورأيت نفسي بينكم في الزنازين، وكان التحقيق قد انتهى كما رأيت.
أكمل مستغرباً:
ـ لم أكن أتوقع هشاشة هؤلاء الأوباش لهذا الحد، لقد قلت ما قلت من باب الاستفزاز والإرباك، لكن للجبن قوانينه، كما للشجاعة قوانينها، ومهما عظمت القوة في يد الجبان وتضخمت، تكون مثل بالون يمكن تنفيسه برأس دبوس صغير، فعماد القوة الشجاعة، وعماد الشجاعة الكرامة والإرادة والإصرار.
تحدثنا وضحكنا، وعبثاً حاولت أن أستضيفه في بيتي، لكن وقع كلماتي كان عليه جميل، وصرت أفكر بكلماته وأجلد نفسي، كيف استسلمت أمام مثل هؤلاء الجبناء؟ كيف استطاعوا هزيمتي، ولاحقاً دعوت الله ليساعدني في رد اعتباري لنفسي، وكنت متيقناً أن هذا لن يتم إلا بجولة جديدة من التحقيق.